لا يمكن وصف الوضع السياسي في الولايات المتحدة هذه الأيام سوى بالقول إن البلاد في (زلزال سياسي وقانوني) كما قالت صحيفة نيويورك تايمز.
ومنذ إعلان المحكمة العليا في ولاية كولورادو يوم الثلاثاء عدم أهلية الرئيس السابق دونالد ترامب لخوض الانتخابات المقبلة (التمهيدية للحزب الجمهوري) بسبب مشاركته في "تمرد" اقتحام مقر الكونغرس في 6 يناير 2021 نظرا لوجود مادة في التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة يوصي بذلك، فإنه وفي واشنطن هنا وبالقرب من الكابيتول يتحدث الجميع حول تبعات هذا الأمر، لكن وكما نعلم فإنه لدى الرجل مهلة للطعن أمام المحكمة الأميركية العليا حتى الرابع من يناير المقبل .
بداية فإنه وردا على هذا الحكم فإن فريق ترامب رأى في القرار أنه معيب وأنه -أي الفريق- سيلجأ بسرعة إلى المحكمة العليا لطلب تعليق القرار الذي وصفوه بأنه مناهض للديمقراطية بصورة تامة.
وفي المقابل، ظهر المنافس الآخر جو بايدن وكأنه لم يكترث للحكم كونه يكرر دائما أن سلفه الجمهوري قد دعم تمردا ولا شك في ذلك أبدا من الناحية القانونية حسب زعم الرئيس الحالي.
ورأينا أن الحزب الجمهوري كان موقفه واضحا في دعم ترامب وقد ظهر ذلك جليا على لسان المرشح الجمهوري كريس كريستي والذي قال إن الناخبين وليس المحاكم هم الذين يجب أن يقرروا ما إذا كان ينبغي منع ترامب من إعادة انتخابه للبيت الأبيض.
وصرّح كل من فيفيك رامسوامي ورون ديسانتيس وكلاهما من مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات المقبلة، بأنهما يعتقدان أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة سوف تلغي قرار محكمة كولورادو.
ومن ناحية ثانية كان الارتباك ديدن بعض الجمهوريين الآخرين الذين دعا بعضهم مثل السيناتور أنتوني ساباتيني، وأيضا نائب حاكم ولاية فلوريدا دان باتريك إلى إزالة اسم الرئيس الحالي بايدن من قوائم التصويت لعام 2024 في ولايتي تكساس وفلوريدا دون وجود مسوغ قانوني لذلك بينما كان السيناتور توم تيليس هو الأكثر عقلانية حيث صاغ مشروع قانون يهدف إلى منع الولايات من حجب ترشيح المرشحين الرئاسيين من قوائمها الانتخابية.
إذا تحدثنا عن تبعات القرار فلا شك أن القرار يعد انتصارا للناخبين المناهضين لترامب حيث كان كثيرون منهم قد رفعوا قضايا مماثلة في عدد من الولايات للطعن في ترشح ترامب للرئاسة ونذكر هنا مجموعة (مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق في واشنطن) والتي دعمت قيام قضايا ضد ترشح ترامب في جميع الولايات الأميركية بينما رأت هيئات قضائية كثيرة في الولايات المتحدة أن القرار الصادر عن محكمة كولورادو غير صحيح قانونيا إذ إن الدستور الأميركي يميز منصب الرئاسة عن المناصب الفدرالية، وبالتالي فمنصب الرئاسة غير مشمول بقائمة المناصب الفيدرالية المعنية ببند التمرد.
وكانت لافتة ومؤيدة لهذا الرأي الدراسة القانونية التي نشرها المدعي العام في عهد الرئيس جورج بوش الابن، القاضي مايكل موكاسي قبل ساعات في صحيفة وول ستريت جورنال حيث قال إن البند الثالث في التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة لا ينطبق على ترامب باستثناء أنه موظف في الولايات المتحدة لكنه أكد أن تلك العبارة تشير إلى المسؤولين المعنيين وليس المنتخبين.
وأما عن التبعات المستقبلية لقرار المحكمة، فإنه يسري فقط في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية كولورادو يوم 5 مارس المقبل، إن لم يتم قبول طعن ترامب، وهو ما قد يؤثر على الرئيس السابق في الولاية نفسها يوم 5 نوفمبر، عند الاقتراع في الانتخابات العامة.
لكن الحقيقة الدامغة أنه ورغم كل شي ورغم تكرار الدعاوى ضده، يواصل ترامب تصدر استطلاعات الرأي الخاصة بالمرشح الجمهوري لانتخابات 2024.
وإذا كان الرئيس السابق سيبدأ مسلسلا جديدا من المحاكمات الجنائية قد تبدا في مارس المقبل وقد تتزامن مع جدول رئاسي سيشغل العالم حتى نهاية العام حيث ستبت المحكمة العليا لثلاث مرات كحد أدنى في مصيره، وإذا كان هذا الرجل الاستثنائي في التاريخ الأميركي قد وجد نفسه منذ انتهاء ولايته الرئاسية في متابعات قضائية متوالية يتزايد فيها مناصروه يوما بعد يوم برغم دعاوى قضائية رفعت يوم أمس في 16 ولاية أميركية تطالب بمنعه من الانتخابات التمهيدية، فإن كثيرا من أعضاء الحزبين يرون أن قرار محكمة كولورادو زاد من فرص ترامب للفوز بالرئاسة.
ويبقى السؤال هنا: هل ستحذو محاكم أخرى حذو محكمة كولورادو وتنظر في قضايا مماثلة قد تكون نتيجتها استبعاد ترامب من الاقتراع في ولايات مؤثرة في النتيجة النهائية للانتخابات مثل مينيسوتا وميشيغان أم ستؤكد الأيام أن ما حصل هو نوع من تسييس القضاء والسماح للميول الشخصية لقضاة محسوبين على ولايات ديمقراطية من اتخاذ القانون وسيلة لإقصاء مرشح منافس أو إضعافه؟
ويظل ما أرسله الرئيس ترامب لمؤيديه عبر بريده الإلكتروني بمثابة الرد الأكثر احتمالا في انتخابات العام المقبل عندما أرسل لعشرات الملايين الذي يؤيدنه عبارة رائعة هي (أحثكم على الانضمام إلى الكفاح للحفاظ على اسمي في اقتراع 2024)... إنه ترامب الرائع دوما.