من غير الواقعي الغرق في هكذا تساؤل دون إجابة كاشفة عما استيقظت عليه إسرائيل في صباح السابع من أكتوبر 2023، فالغرق المتعمد في توصيف المشهدية بسردياتها الطويلة لا تغني عن حقيقة أن إسرائيل كانت نائمة كما سبقتها في النوم الولايات المتحدة واستفاقت مفجوعة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 على هجمات إرهابية مدمرة.
الولايات المتحدة قبل أن تذهب إلى النوم كانت قد راقبت الرئيس جورج بوش الأب وهو قد اطمأن على النزول الأخير للعلم السوفيتي الأحمر من على أسوار الكرملين، الأميركيون أطفأوا أنوارهم وناموا وتناسوا أنهم كانوا قد أشرفوا على طبخة صغيرة في كهوف تورا بورا الأفغانية ولم يطفئوا مواقدها.
المسألة تتطلب قدرا من الشجاعة لمواجهتها، فليس من الصواب تجاهل أن السياسات الإسرائيلية من بعد اغتيال إسحاق رابين في عام 1995 انتهجت أسلوبا اعتمد على تعميق الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، إضعاف السلطة الفلسطينية شكل دائرة التهرب من الاستحقاق السياسي النهائي الذي لا مفر منه بحل الدولتين، ما وصل له ياسر عرفات مع شمعون بيريز في 1993 كان الحقيقة التي كان يفترض بها أن تنتج حل دولتين فلسطينية وإسرائيلية وتغلق صراع الشرق الأوسط، أو بالأحرى "صداع" الشرق الأوسط.
السياسيون الإسرائيليون ومن خلفهم الأميركيون، وحتى البريطانيون والفرنسيون، أعجبتهم هذه اللعبة، إضعاف السلطة الفلسطينية واللعب مع ثعابين الإسلام السياسي، اللعبة الصغيرة استساغتها إسرائيل، فكلما كبرت الثعابين ذهبت إلى قتلها في حروب صغيرة، لا أحد كان يريد أن يتخلى عن هذه اللعبة حتى بعد أن قدم الراحل الملك عبد الله مبادرة السلام العربية في 2002، أي بعد عام واحد مما كان يجب أن يكون أنه استفاقة أميركية بعد الهجمات الإرهابية التي طالت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، المبادرة وضعت على الطاولة وظلت عليها دون أن يفكر أحد ما في تل أبيب في الفوز بالصفقة الكبيرة.
سياسة شراء الوقت تتكرر في لعبة واحدة لا تتغير، الإيرانيون يستثمرون في الأفاعي والعقارب والأميركيون وكذلك الإسرائيليون يقتلونها، في غزو الولايات المتحدة للعراق لم يلتفت الجنرالات إلى أنهم وهم يضربون أسس نظام الرئيس الراحل صدام حسين ويحطمون الدولة العراقية، كان أبو مصعب الزرقاوي يجد البيئة المثالية ليصنع مخالب تنظيم القاعدة، حتى مع حصار الفلوجة كان كل المتأسلمين يجدون في صراخ النسوة والأطفال الكثير من الأتباع لتجنيدهم فيما يعتقدون أنها الحرب المقدسة، هي سلسلة لا منتهية ولعبة تجيد عمائم إيران وحتى وهي في سراديبها تحريك خيوطها، منذ أن أسقط الخميني الشاه محمد رضا بهلوي.
نتنياهو أراد أن يكون رجل إسرائيل الأكبر كما كان بن غوريون، غير أن الزمن ليس هو ذاك الأول، نتنياهو يميني بثوب ليبرالي يريد السلطة والحكم الأبدي، تمسكه بها جعله يهرب من قضايا الفساد ليسلك مسلكا متشددا حتى ضد إسرائيل نفسها، فلطالما قدمت نفسها أنها البلد الديمقراطي الذي يعيش في غابة من الديكتاتوريات الشرق أوسطية، مع عهد نتنياهو لم تعد إسرائيل كذلك، فما ذهبت إليه السياسات اليمينية أعاد تموضعها في نطاق المنطقة، وهو ما جعلها دون أن تشعر تمنح الفصائل الفلسطينية الراديكالية الدينية فرصتها للنمو في بيئة تعيش حصارا واستيطانا غير مسبوق.
الاتفاقيات الإبراهيمية في 2020 شكلت مسارا واقعيا لإعادة التكوين الجيوسياسي للشرق الأوسط، التسوية للصراعات المزمنة ممكن وهذا ما ذهبت له المنطقة، سوى أن المتشددين أبقوا أنفسهم خارج هذه المعادلة وعليه لم يكن منطقيا ألا يكون هناك فريق يرى في هذا المسار أنه سيكون خارج المعادلة، فهذه واقعية الصراع بين محاور متداخلة في الشرق الأوسط، بين محور التشدد والاعتدال، ويبقى أن تصحو إسرائيل وتعي أنها قد نامت في الزمن الخطأ، وعليها أن تفيق وتقر ألا مفر من القبول بحل الدولتين لتضمن البقاء مع بقية شعوب المنطقة، ثم يمكنها أن تنام كما تشاء.