في آخر موقف له بشأن المناوشات مع "حزب الله" الدائرة على الحدود الشمالية الإسرائيلية اللبنانية صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآڤ غالانت قائلا: سنبعد "حزب الله" إلى ما وراء نهر الليطاني عبر تسوية دولية استنادا إلى القرار الدولي 1701، وإذا لم تنجح التسوية السياسية الدولية، فإن إسرائيل ستتحرك عسكريا لإبعاد "حزب الله" عن الحدود".
ويأتي هذا الموقف في ضوء استمرار الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي على الحدود منذ 8 أكتوبر الماضي.
هذه الاشتباكات وعلى العكس من الأهداف التي حددها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لم تؤثر على مسرح العمليات في قطاع غزة، ولم تشكل ضغطا كافيا على الجيش الإسرائيلي سمح بالقول إن قدراته في الجبهة الجنوبية تأكلت بفعل تحدي الجبهة الشمالية مع لبنان.
فبعد أيام معدودة على بدء الحرب في غزة اتضحت صورة الموقف، ومعها سقف تدخل الأذرع الإيرانية في المنطقة، من العراق إلى سوريا فلبنان وأخيرا اليمن.
في لبنان اكتفى "حزب الله" بفتح جبهة "مساندة" وأشعل مسلسلا من المناوشات، انعكست على حياة المواطنين في الجنوب اللبناني فنزح منهم ما يقارب المئة الف من قراهم القريبة من الحدود مع إسرائيل، وفي المقابل نزح من الشمال الإسرائيلي عدد مماثل أو أكبر بقليل.
لكن الأصوات ارتفعت في إسرائيل بين سكان الشمال مطالبة الحكومة بأن تفعل شيئا لإنهاء معاناتهم، فيما لم تسمع أصوات النازحين من الجنوب اللبناني على الرغم من المعاناة اليومية التي يعيشها النازحون ومن لم يغادروا القرى الحدودية.
ربما هذا عائد إلى وجود دولة يعود المواطن الإسرائيلي إليها للاحتجاج والمطالبة بحقوقه وتحميلها مسؤولية أي تقصير، بينما تكاد الدولة اللبنانية تختفي من الوجود أمام حالة الأمر الواقع التي يشكلها "حزب الله" المسيطر ليس فقط على الجنوب اللبناني، بل على القرار السيادي اللبناني بالحرب والسلم، وبالتالي لا يجد المواطن اللبناني العادي جهة رسمية يشتكي إليها.
جل ما يبقى هو تنظيم مسلح يمارس الضغط النفسي والأيديولوجي وأحيانا الجسدي لكم الافواه التي تعترض او تشكو من تحويل جزء من لبنان إلى صندوق بريد إقليمي لا ناقة للبنان فيها ولا جمل.
ينص القرار الدولي 1701 للعام 2006 الذي أشار إليه وزير الدفاع الإسرائيلي صراحة على إنشاء منطقة عازلة في الجنوب اللبناني بين الحدود مع إسرائيل نهر الليطاني الذي يصب شمال مدينة صيدا (العاصمة الإدارية لمحافظة الجنوب) بعمق 40 كيلومترا.
يمنع في المنطقة تواجد أي سلاح أو مسلحين بخلاف قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" والجيش اللبناني.
ومنذ أن صدر القرار نتيجة تسوية لإنهاء حرب 2006 الأخيرة بين إسرائيل و"حزب الله" خرقت إسرائيل القرار بشكل إجمالي عبر مئات الطلعات الجوية فوق لبنان.
لكن الاختراق الكبير تمثل في قيام "حزب الله" بالانتشار الخفي تحت مسمى "الأهالي" في جميع أنحاء المنطقة "العازلة". فكدس الأسلحة والذخائر بكميات مهولة، وأقام قواعد تحت الأرض في المدن والقرى والبلدات، ونشر مقاتليه من أبناء المنطقة ومناطق أخرى في مواقع، لم يُسمح خلال 8 أعوام للجيش اللبناني أو القوات الدولية بممارسة دورهما بمنع أي وجود مسلح يمكن أن يعرض الهدنة مع إسرائيل للخطر ويعرض تاليا أمن لبنان بأسره.
وقد ذهب "حزب الله" في ديسمبر 2022 أبعد عندما دفع بمسلحيه الى إطلاق النار عمدا على دورية للقوات دولية قتل إثرها جندي إيرلندي وجرح 3.
واللافت أن القاتل لم يقبع سوى بضعة أشهر قيد التوقيف فأطلقت المحكمة العسكرية سراحه قبل شهر بعد ضغوط مورست عليها ومر الأمر مرور الكرام على مستوى السلطات الرسمية اللبنانية.
ما تقدم أن دل على شيء، فإنه يدل على أن القرار السيادي في لبنان وباعتراف نادر من رئيس حكومة تصريف الأعمال أدلى به على شاشات التلفزيون بعد 7 أكتوبر ليس بيد الحكومة او السلطات الرسمية الشرعية في البلاد، بل بيد "حزب الله" الذي يملك اليوم القدرة على الزج بلبنان بأسره في حرب مع إسرائيل وغيرها دون أن يتمكن أي طرف من منعه.
ومن هنا خطورة الموقف الراهن الذي أشار إليه الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان على شكل رسالة شخصية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حملها قبل بضعة أيام إلى المسؤولين اللبنانيين قائلا لكل من التقاهم إن أمام لبنان خياران: إما حل دولي بتطبيق القرار 1701 وإخلاء الجنوب اللبناني من السلاح والمسلحين أو مواجهة احتمال نشوب حرب مدمرة توازيا مع حرب غزة أو بعد أن تنتهي.
استنتاجا، يقف لبنان على مفترق طرق خطير. فإذا كانت حرب غزة هي استحقاق اليوم، فربما غدا سنكون أمام استحقاق حرب أخرى في لبنان تأجلت طويلا.