في ندوة فكرية أقيمت في بيروت قبل يومين، سُئل أحد السياسيين اللبنانيين المنتمين إلى فريقِ ما يسمى "الممانعة" عن سبب تقدم كل من دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وشركائهما في مجلس التعاون الخليجي، وتأخر ما اصطلح على تسميتها بدول المركز العربي مثل سوريا والعراق ولبنان.

أجاب السياسي "الممانع" أنها الثروة النفطية، هنا قام من بين الحضور أحد القضاة الكبار، وقال له هذا خطأ كبير. فالعراق من أكبر البلدان المنتجة للنفط عالميا، ولبنان كان يلقب بـ"سويسرا الشرق"، وسوريا كانت تسير على درب التنمية واستكشاف النفط والغاز، أما إيران التي فاخرت بأنها سيطرت على أربع عواصم عربية فإحدى أغنى دول العالم بالغاز والنفط.

أضاف القاضي، إن الثروة النفطية لاتفسر وحدها النجاح الخليجي، وفي المقابل لا تفسر فشل دول المركز، دول إقليمية تشكو من تخمة التسلح فيما تعاني من الفقر والأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخانقة. وختم قائلا إنه الفارق بين نجاح مسار في الحوكمة وفشل مسار آخر.

أشرنا إلى النقاش الذي دار في الندوة لأن حافزه كان إعلان فوز السعودية وتحديدا العاصمة الرياض بتنظيم "إكسبو 2030" بعد مسابقة شرسة مع مدن كبرى مثل العاصمة الإيطالية روما وبوسان الكورية الجنوبية. وقد ذكرنا الحدث العالمي بفوز مدينة دبي الكبير بتنظيم "إكسبو 2020". حيث يفصل عقد من الزمن بين حدثين عالميين تحتضنهما دولتان خليجيتان مركزيتان.

هنا لا ننسى مونديال 2022 الذي نظمته دولة قطر، إضافة إلى مئات الفعاليات العالمية في جميع الميادين مثل سباقات الفورمولا واحد في أبو ظبي وجدة والمنامة والدوحة، ولعبة كرة القدم مع استقطاب النجوم العالميين حيث صارت السعودية في الأعوام الأخيرة معقلا دوليا لها. كما نشير إلى ارتياد الفضاء ضمن برامج دولية مشتركة تصدرها أخيرا رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي ورفاقه، والرائدة السعودية ريانة برناوي ورفاقها. وبالطبع يظل الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز أول رائد فضاء عربي مسلم ارتاد الفضاء قبل أكثر من 37 عاما.

في مكان آخر لا ننسى قمة المناخ "كوب 28" التي تستضيفها الإمارات بدءا من اليوم، وهي الحدث الأكبر عالميا (70.000 مشارك من العالم) على مستوى قضايا المناخ والبيئة التي باتت تمثل تحديا للعالم بأسره مع تنامي أزمة الاحتباس الحراري وما خلفته من مضاعفات على صعيد التوازن البيئي. هذه عينة بسيطة جدا من فعاليات تحتضنها دول الخليج العربي وتتصدرها منذ عقود.

فقد وضعت هذه الأخيرة نفسها في مواقع الصدارة العالمية، فيما لم تنفك دول المركز العربي السابق تتراجع وتتهمش لتتغرب شيئا فشيئا عن قضايا العالم الحديث واهتماماته للمستقبل. مما أفقد الشعوب آفاق التقدم والتطور وبناء المستقبل الواعد.

بالتوازي قامت دول الخليج العربي خلال أربعة عقود متتالية ببلورة برامج لا حصر لها للتنمية الاقتصادية الاجتماعية والبشرية الطموحة. ووضعت الثروة ضمنها في خدمة تطوير الإنسان وتنميته. وجعلت من المواطن أساسا لجميع الرؤى التطويرية أكان في السعودية عبر رؤية 2030 أو في الإمارات وشركائهما.

لقد تقدمت دول الخليج لتصبح هي المركز العربي والإقليمي الأول، وأحد مراكز الثقل الاقتصادي والجيوسياسي الدولية الرئيسية. في هذه الأثناء تراجعت دول المركز لتصبح دول هامش. لا يؤتى على ذكرها سوى في معرض تناول الصراعات والحروب، والمآسي، والنزاعات، والكوارث. لم تسعفها ثروات بعضها الطبيعية، ولا ثروات بعضها الآخر البشرية، ولا تاريخ بعضها الثالث، ولا مواقعها مجمعة، وهي التي كانت فيما مضى تتغنى بأنها الجسر بين الغرب والشرق.

والحقيقة أن الثقل انتقل جنوبا نحو الخليج مع ترسخ دوله ومنطق القانون فيها، فيما دول المركز ومؤسساتها تتحلل ومعها مرجعية القانون ومركزية الإنسان.

ولمعرفة حجم الكارثة يكفي أن ننظر إلى مشهد مرير ومؤلم تعيشه شعوب دول رئيسية سابقا، بعدما صارت شرائح كبيرة منها إما نازحة، أو مهجرة، أو هاربة على متن قوارب الموت نحو أوروبا.

إنه الفارق بين محور النجاح ومحور الفشل.