وفي اليوم الرابع للهدنة بين إسرائيل و"حركة حماس"، يسود ترقب وقلق يتجاوز قطاع غزة إلى لبنان المفتوح جنوبه على تطور احتمالات الميدان. ذلك أنه أكثر الدول تأثرا بحرب غزة، والرسائل التي يتلقاها المسؤولون عن خطورة انزلاقه إلى تدمير شامل تكاد لا تتوقف.

والقلق لا يتعلق فقط بالسباق بين تمديد الهدنة او مواصلة القتال، وانما بتأثير احتمالات توسيع الجبهة الجنوبية، تحديدا في ظل الانهيار المتواصل للمؤسسات الأمنية والمالية والتشريعية بعد شلل السلطة التنفيذية. وأقرب استحقاقات الفراغ التي تحمل مؤشرات الخطر تكمن في استحالة التوصل إلى ملء الشغور المرتقب في قيادة الجيش اللبناني خلال الشهر المقبل بعد انتهاء ولاية القائد الحالي العماد جوزيف عون، واحتدام الخلافات بين أركان الطبقة السياسية لجهة التمديد للقائد او تعيين بديل له في غياب رئيس للجمهورية، وفي الالتين انتهاك للدستور اللبناني.

فالدولة في لبنان تضمحل شيئا فشيئا، لينفرد "حزب الله" بالتصرف ملء إرادة المحور الممانع، بعد انقلاب على النظام الديموقراطي وشل لمجلس النواب ومنع لانتخاب رئيس للجمهورية وفق الدستور.. وبعد الإطاحة بالقرار 1701 وفتح جبهة الجنوب لمساندة "حركة حماس".

ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يمانع فتح جبهات جديدة، ليبرر جرائمه بحجة استهداف أمن دولته شمالا وجنوبا، فيستقطب مزيدا من الدعم الدولي ويهرب إلى الأمام عبر الإمعان في الحرب العبثية التي يصر على مواصلتها.

والمؤسف أن فترة السماح الدولية لا تزال ممنوحة لنتنياهو، على الرغم من حالة شعبية واسعة في المجتمع الدولي رفضا للمجازر التي ترتكبها وتنديدا بإبادته الشعب الفلسطيني، وان من دون تعاطف مع "حركة حماس" و "حزب الله" أو أي ذراع مسلح من مليشيات محور الممانعة.

والواضح انه لا يزال يهدد ويتوعد ويصر على حربه العبثية على المدنيين، ويرفض الذهاب إلى طاولة مفاوضات تطرح بحثا جديا عن حل دائم لمأساة الشعب الفلسطيني.

في المقابل لا تبدو واضحة آفاق مناوشات "حزب الله" ومعه فصائل فلسطينية على الحدود الجنوبية وفق "قواعد الاشتباك" حتى اللحظة الراهنة، ومدى قدرتها الفعلية على ردع الاعتداءات الإسرائيلية بحق المدنيين.

فالهدنة الحالية ليست وليدة الميدان وانتصارات "حماس" كما يردد الممانعون، وانما فرضتها أصوات كثيرة في إسرائيل تنادي باستقالة نتنياهو فوراً، ليس بسبب أطفال غزة، وإنما بسبب الرهائن الإسرائيليين.

وفي حين يرى البعض أن الصفقة ستبقى خاسرة بكل المقاييس، ان اقتصرت نتائج "طوفان الأقصى" على تبادل الأسرى والمعتقلين بين الكيان الاسرائيلي و"حركة حماس"، مقارنة بالخسائر اللاحقة إن بالقطاع وأهله أو بلبنان وجنوبه، إلا أن لرأس المحور الممانع المدعي الانتصار حساباته أيضا، وأهمها لا يتعلق بتحرير القدس، وانما احكام السيطرة على ملعبه من بغداد إلى بيروت، مرورا بدمشق وصنعاء، بالإضافة إلى مصادرة القضية الفلسطينية، التي يسير العمل فيها على قدم وساق لإنهاء منظمة التحرير الفلسطينية والحالة الفتحاوية وتكريس التنظيمات الأصولية لترث القضية وفق شروطه ومواصفاته.. و"حرب غزة" تساهم في تعزيز رهاناته.

وبالطبع تكمن مأساة اللبنانيين في هذه الحسابات. وستبقى على حالها ما دامت أولويات رأس الممانعة تقضي استخدام الورقة اللبنانية بحدة أكبر مع التطورات والتغييرات الإقليمية المفصلية والمرتقبة.

وبمعزل عن تمديد للهدنة، او استمرار نتنياهو في حربه العبثية على أمل تحقيق أهدافها لجهة القضاء على "حماس"، و"إعادة المختطفين، والتأكد من أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيل"، يتفاقم قلق اللبنانيين بعد خسارتهم ورقة الشرعية الدولية بفعل ضرب القرار 1701، لتزيد خساراتهم المتراكمة منذ أصبح لبنان ملعب الممانعة وأسير محورها.