لا حديث في الصحافة الأميركية سوى عن سبل وقف إطلاق النار في غزة، حيث بات من شبه المعلوم أن غالبية الأميركيين يدعمون ذلك التوجه حسب العديد من الاستطلاعات على مدى الأسبوعين الماضيين وهذا الأمر يشير بوضوح إلى انخفاض الدعم الشعبي الأميركي لتصرفات إسرائيل منذ 7 أكتوبر.
هذا التغير في المزاج الداخلي الأميركي لاشك أنه يتطلب من الرئيس بايدن وفريقه التوقف عنده ومحاولة احتواءه عبر ما يمكن أن أسميه بـ(القراءة الأميركية المستجدة للأحداث).
وأيضا إذا أضفنا إلى ذلك تلك العريضة الموقعة من أكثر من 400 سياسي أميركي، والتي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز يوم الثلاثاء الماضي والمرسلة للرئيس بايدن تعاتبه فبها على الدعم للهجمات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة حيث أكد مرسلوها - وهم في غالبيتهم سياسيون يعملون في مؤسسات داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع - أن استطلاعات الرأي تحسم أن غالبية الأميركيين يؤيدون وقف إطلاق النار، حيث دعا كاتبوها الإدارة الأميركية إلى توجيه دعوة لوقف التصعيد الحالي وضمان الإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين والفلسطينيين المحتجزين تعسفيا وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة.
خلال هذا الأسبوع تابعت عن كثب القراءات السياسية للاستطلاع الذي نشره موقع إبسوس وكذلك بعض الاستطلاعات في الصحافة الإسرائيلية في محاولة لإيجاد قواعد مشتركة قد تنطلق منها سياسة الرئيس بايدن وفريقه فيما خص هذا الشأن خلال الأيام المقبلة وقد خرجت بالخلاصات التالية:
أولا- باتت أميركا بحاجة إلى أن تتحول إلى ما يعرف بـ(الوسيط المحايد)الذي يدعم مصالح الطرفين ولا ينحاز لأحدهما ذلك أن (وقف إطلاق النار) بات هو المبدأ الأساس الذي أجمع عليه معظم المستطلعة آراءهم في الاستطلاع الذي أجرته إبسوس خلال الساعات الماضية، حيث أعلن قرابة 70 بالمئة أنه يجب على إسرائيل الدعوة إلى وقف إطلاق النار ومحاولة التفاوض ولا شك أن هذا الرأي سيمثل تحديا لإدارة الرئيس بايدن وكذلك سيثير القلق داخل حكومة نتنياهو حيث بات الغضب الدولي من هذه المجازر المتنقلة عامل ضغط حقيقي على أركان تلك الحكومة التي تصدع بنيانها قبل يومين على خلفية السماح بدخول الوقود إلى قطاع غزة.
ثانيا- في نفس الساعة التي نشر فيها استطلاع إبسوس استوقفني نشر صحيفة معاريف لاستطلاع حوى نفس النقاط، حيث ورد في ذلك الاستطلاع أن قرابة 40 بالمئة من المشاركين يعتقدون أن مرحلة ما بعد الحرب ستشمل دخول قوات دولية من دول أجنبية (غير عربية) ومن نافلة القول هنا أن ذلك سيؤثر على السيادة الإسرائيلية والمصرية على الحدود بين القطاع ومصر.
وكان لافتا أن أكثر من 50 بالمئة يرون أن الحل يكمن في قيام سلطة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع وكذلك الدعوة لقيام حوار وطني إسرائيلي حول مستقبل العلاقة بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.
ثالثا - إرهاصات هذا الاستطلاع كنا قد رأيناها قبل أسبوع في المظاهرات، التي نظمت أمام تمثال الحرية في نيويورك والتي دعت إلى وقف إطلاق النار وشارك فيها مئات الناشطين من اليهود الأميركيين التقدميين تحت شعار(أوقفوا إطلاق النار الآن) وهذا يذكرني بما رأيته نهاية الشهر الماضي أمام مبنى الكابيتول عندما احتل بعض المتظاهرين جزءا من مبنى مكاتب مجلس النواب لمطالبة الرئيس بايدن بالضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة وكذلك نلحظ تلك الإرهاصات في الرسالة التي وجهها أكثر من 30 منظمة إغاثية وحقوقية ودينية منها منظمة أوكسفام أميركا ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مركز المدنيين في الصراع (civic) إلى وزير الدفاع لويد أوستن، حيث رفضوا رغبة البنتاغون في تزويد إسرائيل بأنواع متطورة وحديثة من القذائف المدفعية.
رابعا- استطلاعات الرأي بين العرب والمسلمين في أميركا تثبت أن الدعم للرئيس بايدن سيتأثر خلال الانتخابات المقبلة إذا لم يدعوا في وقت قريب لوقف إطلاق النار حيث أن ولاية ميتشيغن، وهي التي تحمل أعدادا كبيرة من الناخبين المسلمين وتعتبر ولاية حاسمة في الصراع الانتخابي انطلقت فيها العديد من المظاهرات خلال الأسبوع الماضي تعلن الدعوة إلى التخلي عن دعم الرئيس بايدن بسبب دعمه للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين ويعتبر هذا التحرك هو الأوضح تجاه بايدن وبات دعم العرب والمسلمين له في الانتخابات القادمة موضع شك حقيقي.
اليوم تبدو رؤية كثير من الأميركيين والإسرائيليين لضرورة إقامة دولة فلسطينية يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون جنبا إلى جنب مع قدر متساو من الاستقرار هو المزاج الأميركي الطاغي في الاستطلاعات التي يتم إجراؤها فذلك يؤدي إلى شرق أوسط أكثر ازدهارا وأمنا فقد رأى أولئك المستطلعة آراءهم مقتل الآلاف من الأطفال وانهيار البنية الطبية التحتية في قطاع غزة واستهداف المستشفيات والمساجد والكنائس وانتشار وتراكم الجثث على الطرقات وتحت أنقاض المباني المدمرة واحتمالية انتشار الأوبئة والأمراض التنفسية والجلدية مما يجعل الكثيرين يدعون سرا وعلنا الإدارة الأميركية إلى إعادة تقييم سياستها والمطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار.