عشرة أيام مرت على اشتعال الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس والحقيقة أن الكلفة البشرية والمادية هائلة لكلا الطرفين. ولا بد من وضع حد لها. هنا يأتي دور الدبلوماسية الإقليمية التي أشعلت محركاتها.
صحيح أن غبار الحرب تحجب الرؤية تماما، كما أن المشاهد المروعة والمؤلمة التي تصلنا من ميدان الحرب مخيفة للغاية.
لكن وسط الحرب ستتحرك الدبلوماسية الدولية والإقليمية لاستكشاف معالم طريق للخروج من الهاوية الدموية التي وقع فيها الفلسطينيون والإسرائيليون. ويكاد الإقليم بأسره أن يقع فيها.
ولعل الجولات المكوكية التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن في المنطقة جديرة بأن تراقب عن كثب. فهو حيث يتنقل ذهابا وإيابا بين تل أبيب وعواصم الدول الحليفة المعنية بالأزمة. وثمة جهد في البحث عن إطار حل كبير يتجاوز جولة العنف الراهنة. باختصار أن البحث جار عن حلول كبيرة.
فمن خلال المعلومات التي رشحت في الأيام القليلة الماضية يمكن التوقف عند المستنجد الأهم: فالأميركيون وبالرغم من تضامنهم مع إسرائيل بعد هجوم حماس الذي أودى بأكثر من 1400 قتيل إسرائيلي ثلثاهم من المدنيين، أتى حاملا رسالة دعم، ومعها توجها أميركيا لمحاولة احتواء الموقف قبل أن ينزلق إلى حرب إقليمية خطيرة للغاية.
ومن هنا علينا أن ننظر إلى ما بعد مسألة الوساطات المرحلية التي طغت أخبارها في الإعلام، أي إلى المفاوضات العميقة البعيدة عن الأضواء التي جرت في كل من القاهرة، الرياض وأبوظبي.
وحسب المعطيات المتوافرة فلقد اتخذت طابعا تأسيسيا، لجهة البحث عن حلول مستدامة، تتجاوز في أهميتها مسالة فتح المعابر، ووقف إطلاق النار.
إن الجهد منصبّ وفق ما يمكن فهمه من كلام معلن لأنتوني بلينكن وللرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وضع مشروع متكامل يبدأ بعد أن يتوقف القتال، معيدا الاعتبار إلى المسار السياسي في القضية الفلسطينية التي فشلت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة في تجاوزها والقفز فوقها.
فطي صفحة الصراع يحتاج إلى عملية سلام بين طرفين عاقلين مستعدين للجلوس معا، وإنهاء أطول صراع في التاريخ الحديث بمنح الحد المعقول من الحقوق للشعب الفلسطيني.
وعندما نتحدث عن عقلاء من الجانبين، نعني أن الصدمة التي حصلت في 7 أكتوبر الجاري، يجب أن تدفع بالعقلاء من الطرفين الراغبين بالسلام الشجاع إلى الواجهة.
وأنهار الدماء التي نراها اليوم يجب أن تكون حافزا يدفع إلى صوغ عملية سياسية تحقق السلام النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
فالتشدد والتطرف لا يجلب الحلول. ويقيننا أن الطرفين عاجزين عن تحقيق انتصار حاسم والقضاء على الآخر.
ومن هنا من المحتمل جدا أن صدمة 7 أكتوبر قدمت للمنطقة فرصة ذهبية من أجل الذهاب إلى أساس الصراع، والتفاهم على مسار سلمي حقيقي عميق ومتوازن.
من هنا أهمية قمة القاهرة الإقليمية – الدولية التي دعا اليها الرئيس السياسي لتعقد يوم السبت المقبل.
ويتوقع أن تحضرها جميع الدول المعنية بالصراع تحت عنوان "تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية، ومواصلة الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين. وإيجاد أفق سياسي حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، ودعم السلطة الوطنية الفلسطينية بوصفها طرفا أساسيا للحل".
فإذا كان هدف وقف القتال مهما، فإن الذهاب إلى صلب الأزمة أهم بأشواط.
ولذلك نقول إن هذه الأزمة الخطيرة قد تكون قدمت لمعسكر السلام في المنطقة نافذة يمكن الولوج منها إلى البحث في سلام مستدام في المنطقة.
وعلى الرغم من الآلام والأحقاد في الميدان. فإن هذه الأزمة ستحتاج إلى الشجاعة القيادية التي يتمتع بها المعسكر العربي العقلاني من أجل إنقاذ المنطقة من الفخ الكبير الذي نصب لها يوم 7 أكتوبر.
حان وقت الدبلوماسية الشجاعة.