اتخذ هذا التعبير معان مختلفة في العقود الأخيرة، عما كان عليه من قبل في أزمنة الاقطاع القديمة وحتى مع تطور الرأسمالية التجارية والصناعية.

وفي ذروة طور الرأسمالية المالية أصبح "أصحاب المصلحة" هم ملاك الأوراق، سواء أسهم أوغيرها، ومقدموا المال للشركات والأعمال وحتى الدول من حملة السندات والمساهمين في الصناديق. وأصبح سماسرة البورصات ومديرو الاستثمار طبقة وسيطة بين أصحاب المصلحة والسوق.

لكن المصطلح انسحب إلى ما هو أبعد من عالم المال والأعمال ليشيع استخدامه في كثير من مناحي الحياة البشرية، سياسية واجتماعية وثقافية وغيرها. وفي كل تلك المجالات تتنوع الدلالات قليلا لكن يظل المعنى النهائي واحد: أن هناك أصحاب (أو حتى صاحب) مصلحة في كل شيء تقريبا. وهو من له القرار النهائي بغض النظر عن التفاصيل. وحين يتعلق الأمر بقضية تواجه البشرية كلها وتتعلق بمستقبل الحياة على كوكب الأرض، مثل تغير المناخ، نجد صعوبة في تحديد "أصحاب المصلحة" – على الأقل حسب زاوية النظر لتلك المصلحة.

فلنحدد المصلحة أولا، وإن كانت قضية مكافحة التغير المناخي تتضمن أكثر من مصلحة في الواقع. أولا، هناك مصلحة للبشرية كلها في وقف ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدلات كبيرة ومتسارعة، لذا اتفقت اغلب دول العالم في باريس عام 2015 على أهداف محددة للابقاء على معدل ارتفاع درجات الحرارة بحد أقصى 1.5 درجة مئوية وذلك بحلول 2030، ثم العمل على استدامة ذلك بوقف انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول منتصف هذا القرن. تستند هذه المصلحة على ابحاث علماء المناخ والعلوم الحيوية الأخرى. وهنا فإن أصحاب المصلحة هم كل سكان الأرض ممثلين في دول ومؤسسات وشركات وغيرها. لكن أصحاب المصلحة هنا لا يملكون قرار الغعل، أي اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتقليل الانبعاثات والحد من الاحتباس الحراري لمكافحة تغير المناح. هم فقط يعانون من الأضرار والخسائر الناجمة عنها، أما قرار الفعل فبيد من يمثلهم.

وأصحاب المصلحة متعددون ومختلفون، ما بين سياسيين وأعمال وشركات. وحتى حين بدا أن الجميع من أصحاب المصلحة يدرك الخطر الكارثي الذي يمكن أن يؤدي إليه التغير المناخي، اختلفت التقديرات وتباينت المواقف. والكل يبرر موقفه بأنه "يعمل لمصلحة البشرية"! وحكمت المصالح الآنية والضيقة مواقف وتصرفات الأطراف المختلفة. حتى في المؤتمر السنوي للمناخ الذي تنظمه الأمم المتحدة، المعروف باسم "مؤتمر الأطراف" أو اختصارا (كوب) يتناقش الجميع ويتجادلون وربما يتعهدون بالالتزام بأهداف لكن يتم التخفف منها فيما بعد على أرض الواقع.

في مؤتمر COP27 العام الماضي في شرم الشيخ بمصر تم الاتفاق على صندوق الخسائر والأضرار، الذي يهدف إلى تمويل الدول النامية والصاعدة لمواجهة التغيرات المناخية والتحول في مجال الطاقة إلى مصادر أكثر استدامة وغير ملوثة للبيئة. ولأن الدول الصناعية المتقدمة تسبب أكثر من ثلاثة أرباع الضرر المناخي منذ عقود بينما تعاني بقية دول العالم من أضرارها، فالمنطقي أن تساهم تلك الدول الغنية بالقدر الأكبر في الصندوق. وقدرت الحاجة إلى نحو تريليونين ونصف التريليون دولار تقدم على السنوات الباقية حتى 2030. لم يتم التعهد حتى الآن سوى بنحو مئة مليار دولار سنويا، وهو جزء بسيط مما اتفق عليه. وحتى هذا التعهد ليس مضمونا تماما، ويمثل تحديا أمام مؤتمر كوب28 في دبي بعد اسابيع.

اذا سلمنا بأن الحكومات أصحاب المصلحة تدرك أهمية ذلك التمويل لضمان وقف التغير المناخي الكارثي لأن الضرر سيكون على الجميع، فإن تبريرها للتخاذل بالقاء التبعة على الشركات والأعمال يبدو تناقضا واضحا بين المواقف المعلنة والتصرف العملي. ذلك لأن الشركات والأعمال بالفعل ترى فرصا هائلة في التحول في مجال الطاقة وغيرها من النشاطات الجديدة المرتبطة بمكافحة تغير المناخ. حتى شركات الطاقة الكبرى مستفيدة ليس فقط من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة المستدامة وانما أيضا من الابتكار في نشاطاتها الحالية. وبالتالي فان لها مصلحة في التزام الحكومات باهداف وتعهدات المناخ.

في تقرير حديث قبل أيام، ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن العالم بحاجة لاستثمار ما يصل إلى أربعة تريليونات ونصف التريليون دولار سنويا للتحول في مجال الطاقة، وليس أقل من تريليوني دولار سنويا كما كان مقدرا من قبل. بالطبع لن توفر الميزانيات الحكومية هذه المبالغ، لكن الحكومات مطالبة بتعديل سياساتها بما يشجع شركات الطاقة الكبرى على ضخ تلك الاستثمارات.

حسب اتفاقية باريس، كان المستهدف أن يصل نصيب الطاقة من مصادر متجددة مستدامة من الاستهلاك العالمي إلى نسبة سبعة عشر في المئة بحلول عام 2030. الآن، وقد انقضى نصف تلك المدة، لا يزيد نصيب الطاقة من مصادر نظيفة عن نسبة خمسة في المئة من الاستهلاك العالمي. واذا استمر أصحاب المصلحة على هذا النهج فذلك تعهد آخر تم النكوص عنه واهداره.

ما لم يتفق أصحاب المصلحة، بسرعة وحسم، في COP28 في دبي على العمل بجدية والتخلي عن مصالح آنية وضيقة ومتضاربة أحيانا فالنتائج شبه واضحة: مزيد من الكوارث الطبيعية من حرائق وأعاصير وفيضانات وجفاف وتصحر وربما زلازل وبراكين. وإذا انتهى هذا العقد دون الوصول غلى الأهداف المحددة سلفا، فربما تفوت البشرية فرصة تحقيق مصالحها، ولن ينفع أصحاب المصالح المتضاربة الصراع على مصالحهم فوق كوكب يضره تغير المناخ.