لا يفارقنا مصطلح "مدّ الجسور" الذي دأب في نشره المستشار السياسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور أنور قرقاش عبر أطروحاته المتوالية.
فمع إعلان اتفاق مشروع السكك الحديدية والموانئ الذي يضم عدة دول ويربط الشرق الأوسط وجنوب آسيا في قمة العشرين التي انعقدت في نيودلهي تبدو الاستراتيجية الإماراتية ماضية في تحقيقها النجاحات التي معها تتغير قواعد السياسة في الشرق الأوسط مع المتغيرات في النظام الدولي.
اللحظة وأن هي شهدت هذه الاتفاقية فإن ما سبقها كان الأهم عندما انتهج الإماراتيون نهجاً يعتمد على الواقعية السياسية بتغليب المصالح الاقتصادية على غيرها، بخطوات سياسية جريئة أعادت أبوظبي تشكيل سياساتها فمدتّ جسور التواصل المباشرة مع إسرائيل من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية عام 2020، كما أنها أعادت تعريف علاقاتها مع الدول المحورية في المنطقة الشرق أوسطية تركيا وإيران وهو ما أتاح فرصة حقيقية لتشجيع العواصم الأخرى لتعيد تغيير سياساتها وانتهاج الحوار المباشر بدلاً من التصادم مما أدخل المنطقة في برود سياسي ملموس.
تحويل التحديات إلى فرص ممكنة هذا ما عملت عليه الإمارات صاحبة الفكرة فهذا ما هو متاح بأن تنتقل منطقة الشرق الأوسط مع العالم إلى التنافس والتعاون، الربط الاقتصادي سيخفف من حدّة التوترات السياسية وسيدفع بالدول لانتهاج سياسات أقلّ تصادماً مما كانت عليه في العقود الماضية، المتاح كبير ويحمل أفق واسع لأطراف متعددة بداية من الهند ومروراً بالإمارات والسعودية وإسرائيل وحتى دول الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة وهي أحد أهم شركاء الاتفاقية سيتعين عليهم دور في تعزيز الأمن ضمن ضرورات تحقيق الفوائد من هذا المشروع وهو ما يعني أن على واشنطن تخفيف التوتر مع الصين المنافس الأكبر في الحزام والطريق.
قدّ يكون منذ أن اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية يظهر فعل عمليّ دولي يؤشر على أن جزءاً من هذا العالم على الأقل قادر على تقديم فرصة مختلفة غير تلك اللغة السائدة في الاستقطابات السياسية الحادة، هي من المؤكد أنها لحظة مختلفة لا تغير فقط من "قواعد اللعبة" وهو اللفظ الذي استخدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن مع إعلان المشروع في العاصمة الهندية وهذه اللحظة يجب أن يستثمر فيها بوضع حد للحروب التي انعكست أثارها على شعوب العالم وتحديداً الفقيرة التي تتحمل كلفّة الاستقطاب الحاد وما أزمة الحبوب غير واحدة من الأزمات الصعبة التي أفرزتها الحالة السياسية نتيجة الحروب المشتعلة.
تضمن المشروع ما تؤمن به الإمارات في مواجهتها لتحديّ التغير المناخي من خلال إطلاق التحالف العالمي للوقود الحيوي وهو ما سيرتكز على ثلاثة محاور رئيسية بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بالاعتماد على الوقود الحيوي كما أنه سيدفع بأمن الطاقة العالمي إضافة إلى أنه سيشجع على الاستثمار مما سيخلق فرصاً كبيرة للعمل، الفرصة كبيرة دون شكّ وتعطي مسلكاً آخراً للدول في تنافسية اقتصادية تتجاوز به الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين.
إعلان نيودلهي سيستلزم حراك دبلوماسياً فاعلاً لتحقيق أقصى ما يمكن من المكتسبات المتاحة لدول الشرق الأوسط وهي البلدان الأكثر احتياجاً لهذه الفرصة المتاح الاستثمار فيها، سيظل التحدي قائماً بتجاوز المنحنيات التي دائماً ستتطلب تغليباً للبراغماتية السياسية، المصالح المشتركة بين الشرق والغرب هي ذاتها بين دول الجنوب والشمال فالعالم يمكنّه تحقيق المكاسب مما هو متاح فالاستثمار في الطاقة النظيفة يتيح استكشافات غير محدودة ستعمل على خفض البطالة كما أنها ستوفر فرصاً للابتكار والتوظيف التكنولوجي لخدمة البشرية، هذه الفرص الهائلة جاءت من بلد واحد ومن عقل واحد هو الإماراتي الذي منه ومعه يكون لهذا العالم ممرُّ آمن يعيش في فرص الاستثمار في الإنسان على هذا الكوكب الذي لا يستطيع أن يعيش على غيره.