في الخطاب الرسمي الأوكراني، خصوصاً الخطب اليومية التي يلقيها الرئيس فلودمير زيلنسكي، واللغة الصحفية التي يستخدمها الكثيرون من المتعاطفين مع أوكرانيا في حربها الدفاعية ضد الغزو الروسي، كثيراً ما ترد عبارة "روسيا الإرهابية،" في وصف الأفعال الروسية.

تشمل هذه الافعال قتل المدنيين الأوكرانيين ونقل آلاف الأطفال الأوكرانيين ووضعهم في عوائل روسية وغيرها من البشاعات الروسية الموثقة في أوكرانيا (خصوصاً فظائع مدينة بوجا في أبريل/ نيسان 2022).

تلقى مثل هذه التوصيفات رواجاً في الغرب بين الجمهور الواسع المؤيد لأوكرانيا، وكثير منه يستسهل الدخول في فخاخ شيطنة روسيا كدولة وثقافة ومجتمع، بدلاً من نقد سلوك الدولة فيها والثقافة القومية، ذات الطابع التوسعي السائدة في المجتمع. هذه التوصيفات خاطئة، إذ لا يمكن اتهام دولة ذات سيادة ومعترف بها عالمياً، بأنها دولة إرهابية.

يمكن اتهام الدول بأنها تتبع سلوكاً إجرامياً أو تقترف جرائم حرب او تخرق حقوق الإنسان، وغيرها كثير، وصولاً الى المحاسبة القانونية لبعض المسؤولين، ومن ضمنهم رئيس الدولة، على مثل هذه الخروقات والجرائم، لكن ليس اعتبار الدولة ذاتها إرهابية.

بمعناها الواسع، الدولة ذات قانونية كبيرة ومعقدة، لا تتضمن فقط مؤسسات الحكم، بل تشمل أيضاً المجتمع/الشعب والأرض، بكل الترتيبات القانونية التي تنظم العلاقة بين هذه كلها.

في معناها الضيق، تشير الدولة إلى مؤسسات الحكم والإدارة التي تمثل المجتمع/ الشعب إزاء العالم الخارجي، خصوصاً المؤسسات الدولية والدول الأخرى. كذات قانونية ومعترف بها دولياً، لا يمكن أن تكون هذه الذات إرهابية، لأنه ينفي عنها معنى الدولة، أي يلغي أصل شرعيتها، فيما الإرهاب لا تأسيس قانونيا له ولا يكتسب شرعية دولية.

نعم، يمكن للدولة أن ترتكب أخطاء وجرائم وخروقات، على نحو منهجي، في بعض وظائفها وسلوكها، كما في الدول القمعية، وفي بعض الأحيان تتحمل الدولة نتائج سلوكها الإجرامي وغير القانوني هذا، لكن في الغالب بسبب علاقات القوة التي تفرض المحاسبة وليس بسبب حكم القانون لسوء الحظ. مع ذلك لا يحولها هذا الى كينونة إرهابية، بما تنطوي عليه هذه الكينونة من وظائف كثيرة ومتنوعة نحو المجتمع والعالم.

في العالم الحديث، منذ القرن الثامن العشر فصعوداً، احتلت الدولة، على نحو تدريجي، منزلةً عالية في القانون الدولي وفي الفهم الشعبي والسياسي العام، بوصفها ضرورة تنظيمية ومصدراً للشرعية وكينونة أخلاقية يُتوقع منها أن تتصرف على أساس خليط، لم يزل غير واضح، من المصالح المشروعة والدوافع الأخلاقية.

بالطبع لم يكن الأمر هكذا، فسلوك الدولة في آخر المطاف هو تعبير عن وقائع داخلية في معظمها، اجتماعية-سياسية الطابع، وأخرى خارجية ترتبط باضطرارات العلاقات الإقليمية والدولية ووقائع القوة التي تكرسها. لم تصل الدولة، في سلوكها، إلى الافتراضات المثالية التي صيغت بخصوصها، إذ كانت نماذج الدول المستبدة والاستعمارية والفاشلة بارزة على مدى فترة طويلة. على نحو ما، اعتبرت هذه "الاستثناءات" أمثلة "سيئة" لا تقدح بالقاعدة التي لم تتحقق تماماً، وفي الغالب قُدمت هذه "الاستثناءات" على أنها دروس مفيدة للتعلم منها في كيفية تجاوز الأخطاء السابقة.

ورغم أن بعض التعلم قد حصل فعلاً، تبقى الدولة صناعة بشرية تهيمن في إدارتها مطامح البشر وصراعاتهم وأخطاؤهم ونزعاتهم المثالية. لكن حتى برغم أنواع الإدارة المتضاربة للدولة مستبدة، ديموقراطية، دينية، أو لصوصية بقيت الدولة كمفهوم، وليس كإدارة، تحتل حيزاً مركزياً ومثالياً في فهم الجمهور العام والمتخصص لها ومحاولة البلوغ بها، في السلوك، مستوى المثال المفترض المصنوع حولها. بل يمكن القول إنه حتى في ظل المحاولات الأيديولوجية لشيطنة الدولة في سياقات معينة، افترضت هذه المحاولات ضمنياً إن النموذج المرتبط بهذه السياقات يمثل "الشذوذ" المؤقت بخصوص معنى الدولة وليس القاعدة.

أقصى ما ذهبت إليه محاولات شيطنة الدولة في العقود الأخيرة هو التوظيف الأميركي لمفهوم "امبراطورية الشر" الذي أطلقه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان على الاتحاد السوفيتي كدولة في خطاب شهير له في 1983 أمام مجموعة مسيحية أميركية. في هذا الخطاب الذي هيمنت عليه لغة دينية مقلقة تحدث ريغان عن خصم أميركا الأول حينها، الاتحاد السوفيتي، بوصفه "بؤرة الشر في العالم الحديث،" محذراً من "تجاهل حقائق التاريخ والنزعات العدوانية لإمبراطورية الشر".

تراجع هذا الفهم المتعالي للذات والآخر كثيراً بعد انتصار أميركا ومعها المعسكر الغربي في الحرب الباردة بنهاية الاتحاد السوفيتي في 1991. ثم جاء في تسعينيات القرن العشرين توصيف رسمي أميركي آخر هو "الدول المارقة" التي شملت في البداية خمس دول، معظمها شرق اوسطية، هي العراق وسوريا وليبيا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا.

في استخدامه الأول لهذا التوصيف في 1994، ذكر مستشار الأمن القومي حينها، أنثوني ليك الذي صاغ المصطلح، المعيار الذي اتبعه في مثل هذا التوصيف، إذ ذكر أنها الدول "المصّرة في رفضها التعاون مع المجتمع الدولي والخارجة عن القانون، التي لا تختار فحسب البقاء خارج عائلة الدول الديموقراطية، لكن أيضاً تقوم بالاعتداء على القيم الأساسية التي تمثلها هذه العائلة." عملياً، كان التوصيف سياسياً ومرتبطاً بالمصالح الأميركية، إذ قام المصطلح على اعتبار أن هذه الدول، ذات العلاقات السيئة مع أميركا، توظف الإرهاب كأحد أدوات تنفيذ سياسة الدولة وتحاول الحصول على أسلحة الدمار الشامل لتحقيق أهدافها كدولة. لم يصمد هذا الاستخدام الانتقائي في تعريف الدولة طويلاً، إذ توقفت الولايات المتحدة رسمياً عن استخدامه بعد سنوات، بنهاية حياة إدارة الرئيس الأسبق بيل كلنتون في عام 2000. كذلك لم يصمد طويلاً توصيف "محور الشر" الذي أطلقه في عام 2002
الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، على دول العراق وإيران وكوريا الشمالية.

أما بخصوص الإرهاب كسلوك، فهو عادةً يُنسب للأشخاص والمنظمات وليس للدول. فلا يوجد في السجل الدولي، كتصنيفات قانونية أو تهم رسمية، ما يشير الى إمكانية أن تكون الدول إرهابية. أقصى ما يُطلق على الدول بهذا الصدد هو أنها داعمة للإرهاب، بمعنى تقديمها الدعم لآخرين، منظمات أو أشخاص، للقيام بمهمات إرهابية، وليس توليها نفسها هذه المهمات مباشرةً. يؤكد هذا الفهم التعريف الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي في قرار له، رقم 1566، في أكتوبر 2004.

أشار هذا القرار الدولي إلى الأعمال الإرهابية على أنها "أعمال إجرامية، من ضمنها الموجهة ضد المدنيين، تُرتكب بنية التسبب بالموت أو الإصابة الجسدية الخطيرة، أو أخذ الرهائن، من أجل إثارة حالة من الذعر لدى الجمهور العام أو لدى مجموعة معينة أو أشخاص محددين، بقصد ترويع السكان أو لإجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بفعل ما أو الامتناع عنه." هذا التعريف، التفصيلي عموماً، هو أحد النتائج المباشرة لأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في 2001، يجعل حكومات الدول أهدافاً للإرهاب وليست متسببةً به. كما أنه يشير إلى سلوكيات تختص بالأشخاص والمنظمات مثل أخذ الرهائن أو الخطف، فالدولة لا تخطف وإنما تعتقل، لأنها تمتلك السلطة القانونية للاعتقال عند توفر أسبابه الوجيهة، وعندما تعتقل أشخاصاً بدون أسباب وجيهة فإنه يُعتبر اعتقالاً غير قانوني وليس خطفاً، وله عواقب قانونية وأخلاقية على الدولة نفسها، لأن الافتراض الذي قامت عليه الدولة هو أنها ذاتُ مسؤولة وعلنية وخاضعة لمواثيق والتزامات. لا ينطبق كل هذا على الإرهاب.

الدولة الحديثة نتاج مؤسساتي متقدم لحل مشكلات الهوية والانتماء والتنظيم في عالم شديد التشابك والتعقيد. هي في هذا تنطوي على بعد أخلاقي بخصوص التزاماتها نحو مواطنيها في المقام الأول، هذا البعد الذي يتناقض جوهرياً مع الإرهاب كسعي لإحداث التأثير السياسي عن طريق تسليط العنف العشوائي على المدنيين.