تغلب البراءة المقترنة بحال من النكران على تصريحات المسؤولين اللبنانيين تجاه قرار دول الخليج إبعاد رعاياهم عن لبنان في هذه الفترة، على اعتبار أن "لا شيء أمنياً يستدعي ذلك".
واللبنانيون تعودوا التعايش مع أزماتهم، سواء كانت على صعيد الأمن أو المصاعب الحياتية والمالية، ويتابعون حياتهم بانتظار الفرج. بالتالي يمكن لرعايا الدول صاحبة التحذير التشبه بأهل البلد.
ويلتحق الاستغراب بحال النكران هذه مع رفض لوضع البلد تحت "المجهر الأمني"، على الرغم من اندلاع اشتباكات مسلحة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، واضح انها خرجت عن إطارها المحلي الضيق لتعكس صراعا إقليميا، ربما يشكل نقطة تحول في الحالة الفلسطينية، في حين أن مؤشرات هذه الاشتباكات تدل على أن التحولات لن تمر إلا على الساخن.
فالأبرياء المستغربون يرفضون التشويش على مخططاتهم بعد أن أعلنوا موسم اصطياف مزدهر، وتباهوا بعدد القادمين إلى مطار بيروت، والذين تجاوزوا مليون ومئة ألف "وافد" لبناني وأجنبي في الموسم الصيفي. لذا هم لا يريدون إلا أن يتم تصنيف لبنان دولة ترقص على إيقاع المهرجانات المتنقلة من مدينة إلى أخرى مع فنانين يصدحون بأغنياتهم وسط جمهور يصفق، متناسين أن الأمور ليست بخير على أكثر من صعيد بالتزامن مع هذه الهبة السياحية.
لذا لا شيء يدعو إلى القلق، وبعد انتهاء الموسم لكل حادث حديث..
لكن ماذا عن فتح ملف المخيمات الفلسطينية الذي تجاوز محليته اللبنانية إلى مؤشرات تنذر بالفوضى الناتجة عن تدفّق السلاح إلى المخيمات الفلسطينية، وتحديداً إلى الجماعات التي تدور في فلك الممانعة والتطرف والذي يشي بالسيناريوات المشبوهة؟
وماذا عن الرصاص المتفلت الذي اصطاد طفلة لا تزال في غيبوبة لأن أحدهم قرر إطلاق النار ابتهاجا بنجاح ابنه في الامتحانات الرسمية؟؟
ماذا عن الحوادث الأمنية المتنقلة والتي يتم تجاهلها وعدم تسليط الضوء عليها؟
ماذا عن الدولة الغائبة والعاجزة تماما عن مواجهة كل ما يجري على أراضي الجمهورية اللبنانية؟؟
بالتأكيد لا جواب لدى الأبرياء المستغربين القاصرين عن فهم سبب تحذير دول لرعاياها من البقاء في لبنان.
فهم يعتبرون أنهم ما داموا بخير وفي مناصبهم ويملكون القدرة على التعطيل والابتزاز، فالبلد بخير.. وأي تعرض لهم وعرقلة لجهودهم التدميرية هو مؤامرة خارجية موصوفة.
بالتالي، فإن ضمير جماعة البراءة مرتاح 24 قيراط. فهم يؤدون واجباتهم، لا يشغل بالهم أن الشغور يصيب 100 موقعا قياديا من أصل 202 في إدارات الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، ناهيك عن مديرية الأمن العام التي تدار بالوكالة، وكذلك حاكمية مصرف لبنان. وإذا بقيت انتخابات رئيس الجمهورية مشلولة، فإن 18 موقعا في الطريق إلى الشغور.
وليس مهما أن معظم هذه المواقع هي أمنية وقضائية، كقيادة الجيش ورئاسة قوى الأمن الداخلي وموقع المدعي العام التميزي وغير ذلك.. وربما من الأفضل أن تشتد الأزمة بما يربك المجتمع الدولي، ويحثّه للبحث عن الحلول، وتحديدا في ظل الواقع اللبناني الذي تحوّل ساحة حامية على خط النار الإقليمي، ليصبح أكثر فأكثر مستعصيا على الضبط، إذا ما اندلعت شرارة صغيرة كفيلة بأن تحوِّل انفجارا أمنيا .. وتحديدا إذا استدعت مصالح المحور ذلك.
وإذا وجد المجتمع الدولي غير ذلك، فتلك مشكلته. عليه أن يبذل الجهود المطلوبة ليحل الأزمة اللبنانية عبر تسويات أو تفاهمات إقليمية ودولية.. وعليه أن يدعم الدولة التي يديرها الأبرياء الفاسدون، ليقطع الطريق على أي خطر قد يصيب رعايا الدول صاحبة التحذير.. وإلا ذنبه على جنبه.