يبدو أن بنية القرصنة في الوعي الإنساني لدى الجماعات والكيانات المطلة على البحار قديمة قدم التاريخ، فعبر التاريخ الممتد منذ آلاف السنين يشار إلى شعوب البحر بأنهم أقدم قراصنة، إذ يعود نشاطهم في هذا المجال إلى القرن 14 قبل الميلاد، في منطقة بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط.

القرصنة هي عملية تتم في البحار والمحيطات والمضايق البحرية، من قبل إفراد أو جماعات مستقلة يمتهنون السلب والنهب وخطف الرهائن والسفن التجارية، وإن كان هناك استثناءات قليلة تاريخيا في تبعية القراصنة لجهة تحركهم، لهذا أكثرية القائمين بإعمال القرصنة أفراد غير تابعين لأجندة دول، أو تنظيمات عابرة للدولة القومية، ما يصعب ملاحقتهم والسيطرة عليهم.

طبقا للقانون الدولي تصنف القرصنة بأنها عمل غير قانوني قائم على العنف أو الاحتجاز بغرض سلب الممتلكات أو الحمولة في سفينة (غير عسكرية بالطبع) وتطور الوضع لدى القراصنة بطلب فدية أو إتاوة، ومن المؤسف أن الفقه الجنائي الدولي لم يستقر بعد على تعريف محدد للقرصنة.

تعزى التسمية في اللغة العربية إلى اجتهاد يرى أنها نتجت من تعريب كلمة cursarius، التي كانت تعنى في اللاتينية المتأخرة الهجوم في البحر بنية النهب، وأن الكلمة في بداية التعريب كانت قرصار، ثم بمرور الوقت تحولت الراء الأخيرة إلى نون؛ لتصير قرصان والاشتقاق قرصنة.

لاحقا، بعد قراصنة العالم القديم لم تخل منطقة في بحار ومحيطات العالم من أعمال القرصنة في البحار عبر كل العصور، في القرون الوسطى عاث الفايكنغ في أوروبا سلبا ونهبا، ولم تسلم منهم السواحل والأنهار، وامتد نشاطهم إلى إيطاليا وشمال إفريقيا، وبلغ من جبروتهم أنهم وصلوا في أعمال قرصنتهم إلى البحر الأسود وبلاد فارس، وتمكنوا من نهب سواحل بحر البلطيق بالكامل.

لاحقا انتشرت القرصنة في دول الشمال الإفريقي وفرضت بلدانه هيمنة على البحر الأبيض المتوسط لاسيما بعد بسط سلطة العثمانيين في هذا البحر، واستمرت سيطرة القراصنة من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب اعتبارا من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر، واتسمت هذه الحقبة بفترات صعود وهبوط لقوة القراصنة.

بلغ من قوة واستفحال شأن قراصنة الشمال الإفريقي أنهم هاجموا قرى وبلدات سواحل إسبانيا وإيطاليا، وجزر البحر الأبيض المتوسط، حتى صارت الكثير من السواحل الإيطالية والإسبانية خالية من السكان، كما اضطرت الحكومة الأمريكية إلى دفع إتاوة سنوية للقراصنة في طرابلس الغرب لاتقاء التعرض لسفنها في البحر الأبيض.. توقفت هذه الأعمال من النهب وتحويل الأسرى الأوربيين إلى عبيد؛ نتيجة قيام تحالف من الأسطولين البريطاني والهولندي بقصف كل من الجزائر وتونس، قصفا عنيفا، ثم توقفت عمليات القرصنة تماما مع الاحتلال الفرنسي للجزائر.

تاريخيا تعتبر القرصنة في الكاريبي إحدى الظواهر الملفتة، لأنها بلغت قدرا غير مسبوق من الانتشار والتأثير، استغرقت أعمال قراصنة الكاريبي طوال الفترة من القرن السادس عشر حتى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وبلغ من ازدهار القرصنة في هذه المنطقة الحيوية من العالم ذات الأهمية تحديدا لدول استعمار العالم الجديد أن القراصنة كانوا يمتلكون موانئ بحرية في جزر الباهاما وجاميكا وهايتي، وكان من أحد عوامل قوة بعضهم أن هناك دولا كانت تستخدمهم في صراعات القوة والتجارة والتنافس على مغانم العالم الجديد.

زاد من أهمية هذه المنطقة بدء تجارة العبيد الآتية من غرب إفريقيا؛ التي ضاعفت من شهية القراصنة، لكن أسطورة القراصنة الكاريبيين الأكثر دربة وتأثيرا بأعمال السلب سوف تبدأ في الخفوت تدريجيا، من أواخر القرن الثامن عشر حتى زوالها في نهاية العقد الثالث من القرن التاسع عشر، بعد التراجع النسبي لخلافات الدول الأوربية الاستعمارية، وعقدها العزم لتوافق المصالح نحو القضاء على قراصنة الكاريبي.

لم تسلم أفريقيا من نشاط القراصنة الأوربيين، وهم على سبيل المثال اتخذوا بعض الأماكن في جزيرة مدغشقر قواعد لهم، ينطلقون منها ليسلبوا السفن في المحيط الهندي، وتناوبت على الجزيرة أفواج من القراصنة العتاة، مما أضطر شركة الهند الشرقية إلى تسيير سفن حربية مدججة بالسلاح لحماية قوافلها التجارية، وكثيرا ما تمت الإغارة على مواقع القراصنة في الجزيرة.. بالعودة إلى هذا التاريخ افتتحت أخيرا الحكومة في مدغشقر متحفا يحكى قصتها مع القراصنة.

من غرائب القدر أن تحظى جزيرة مدغشقر بقصة حب عجائبية ورومانسية، أشبه بقصص ألف ليلة، ذكرها "ياكون ماكوفسكي" بإسهاب في كتابه "تاريخ القرصنة في العالم"، وقعت أحداث هذه القصة الحقيقية بين قرصان هو "جون آيفري المحظوظ" وأميرة مغولية، فبعد أن نجت سفينته من عاصفة هوجاء وجد أمامه السفينة الرئيسية من قافلة للمغول تتهادى على صفحة الماء، تحمل الكثير من الذهب والنفائس، لكن الكنز الأثمن بالنسبة لهذا القرصان الشاب هو الأميرة المنغولية التي سلبت فؤاده من الوهلة الأولى، حينما استقبلته كسليلة ملوك، لينتهي الأمر بزواجهما الذي استمر طويلا.

لم تخل مناطق شرق آسيا وجنوبها من إغارات القراصنة التي بدأت من القرن التاسع وفى القرن 14 تحركت جحافلهم من اليابان.. على فترات من المد والجزر استمرت القرصنة، فعل هذا اليابانيون والصينيون وبحارة منطقة الملايو وخليج ملقا، وكالعادة لم يفوت القراصنة المغامرون من الأوربيين فرصة مداهمة سفن تجارة الآسيويين وممارسة الخطف والسرقة، ولأن القرصان شخص بلا انتماء تحالف في أواسط القرن التاسع عشر بعض القراصنة الأمريكيين والبريطانيين مع أقرانهم من الصينيين.