يتردد في الأروقة الدبلوماسية عن محادثات إيرانية أميركية من أجل إحياء الاتفاق النووي بين مجموعة الـ 5+1 وإيران، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب على خلفية عدم التزام طهران لمندرجاته وفق الرؤية الأميركية، وإن كان لم يجر تأكيد رسمي من البلدين.

إلا أن الحركة الدبلوماسية النشطة التي تشهدها المنطقة تشي بأن هناك مساعٍ لإيجاد صيغة لإحياء الاتفاق، أو أقله التوصل إلى اتفاق مؤقت بين واشنطن وطهران، وذلك في ظل التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة بعد الاتفاق السعودي الإيراني والانفتاح العربي على سوريا، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا، مما يوحي بأن المنطقة دخلت في مرحلة الاستقرار وتصفير المشاكل.

وفي المعلومات أن مسألة الاتفاق النووي تشهد ومنذ أبريل 2021، عدة جولات من المحادثات بين مجموعة الـ 5+1 وإيران في فيينا، من أجل إيجاد صيغة لإحياء الاتفاق النووي.

هذا وشاركت واشنطن في تلك الجولات، لكن بطريقة غير مباشرة، نتيجة الحذر الأميركي. وتكشف مصادر دبلوماسية مواكبة أن تلك المباحثات حققت بعض التقدم، دون أن تبلغ مرحلة الاتفاق لإعادة الحياة إلى الاتفاق. وذكرت نفس المصادر أن هناك محادثات سرية لم يؤكدها الأطراف، ترعاها سلطنة عمان، وتفضي تلك المحادثات إلى رفع بعض العقوبات عن إيران، في مقابل توقف طهران عن تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 60%.

إلا أن التطورات تشي عن وجود حوار غير علني بين واشنطن وطهران سنأتي على ذكرها لاحقا، ولكن الجدير ذكره أن إيران ومنذ انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق، شهدت تناميا في موقعها الجيوسياسي، خصوصا بعد التوصل إلى اتفاق مع السعودية، إضافة إلى تعزيزها لعلاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع كل من الصين وروسيا، وذلك وسط رغبة أميركية في انتهاج المسار الدبلوماسي للحد من طموحات طهران النووية، وبالتالي منعها من بلوغ درجة النقاوة التي تمنحها من تصنيع الأسلحة النووية والتي تبلغ 90%، وهي الدرجة المطلوبة للمواد الانشطارية، فالولايات المتحدة تؤكد على الحل الدبلوماسي تفاديا للمواجهة العسكرية التي ستؤثر سلبا على المنطقة والعالم، لكن واشنطن حذرت طهران مرارا من أنها ستدفع الثمن غاليا إن هي جمحت للوصول إلى درجة النقاوة القصوى.

وبالعودة إلى المؤشرات التي تكشف عن وجود حوار أميركي إيراني، سُجلت في الأسابيع المنصرمة جملة من التطورات، تراوحت بين الاقتصادية والسياسية، حيث تقدمها إعلان طهران الإفراج عن مليارين و700 مليون دولار من مستحقاتها المجمدة في العراق، إضافة إلى أموال مجمدة في كوريا الجنوبية. غير أن توجه محافظ البنك المركزي الإيراني، محمد رضا فرزين، إلى واشنطن لإجراء مباحثات مع مسؤولي صندوق النقد الدولي، حمل دلالة مهمة عن وجود شيء ما يجري بعيدا عن الإعلام.

كما شهدت طهران زيارة هي الأولى لأمين عام منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، هيثم الغيص، الذي رحب بعودة إيران الكاملة إلى سوق النفط عندما تُرفع العقوبات عنها، وأشار إلى ان لدى طهران قدرة على إنتاج كميات كبيرة من النفط في غضون فترة زمنية قصيرة.

وعلى الجانب السياسي، أتت تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين لتكشف عن احتمال توصّل واشنطن وطهران إلى اتفاق من أجل البرنامج النووي، وأن الولايات المتحدة ستقدم سلة من الضمانات لإسرائيل تمهيدا لذلك الاتفاق، هذا في وقت يرى فيه الطرف الإسرائيلي أن التهديد الإيراني العسكري سيكون أكثر فاعلية وتأثير من الدبلوماسية، التي يرى المسؤولين في تل أبيب أن إيران ستستغل الدبلوماسية من أجل كسب الوقت، للاستمرار في مسعاها للحصول على القدرات النووية العسكرية، ولهذا عمد الجيش الإسرائيلي إلى الجهوزية لأي مواجهة محتملة مع طهران، عبر إنشاء وحدة استخباراتية جديدة، في قسم الأبحاث، التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، تضم عشرات الجنود والضباط، الذين يتابعون آلاف الطائرات المسيّرة والصواريخ وأي نشاط عسكري وأمني.

ونبقى في التطورات الإيجابية لكن على الجانب الإنساني، حيث تم الإفراج عن 6 محتجزين أوروبيين كانوا معتقلين في طهران التي استعادت دبلوماسيا إيرانيا، أُدين بالإرهاب وسُجن في بلجيكا، مع العلم بأن إيران تحتجز أكثر من 3 أميركيين إيرانيين في إيران، من بينهم سياماك نمازي، وهو رجل أعمال إيراني يحمل الجنسية الأميركية، صدر بحقه حكم عام 2016 بالسجن 10 سنوات، بتهمتي التجسس والتعاون مع الحكومة الأميركية.

ففي المعلومات أن عددا من المسؤولين الأميركيين قاموا في الفترة الماضية بثلاث زيارات إلى سلطنة عمان لبحث الإفراج عن السجناء الأميركيين الذين تحتجزهم طهران، ووضع ضوابط تقيضية على البرنامج النووي الإيراني المتنامي، إضافة إلى رفع تجميد بعض الأموال الإيرانية في الخارج، ففي 8 مايو الماضي، أجرى كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، زيارة إلى عُمان لإجراء محادثات مع المسؤولين العمانيين بشأن التواصل الدبلوماسي المحتمل مع إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي. وفي أواخر الشهر ذاته، أجرى سلطان عمان، هيثم بن طارق، زيارة إلى طهران، بهدف مناقشة عدة ملفات تضمنت تطورات مفاوضات النووي الإيراني.

ولا يغيب عن متابعتنا ما أكده المرشد الأعلى، علي خامنئي، خلال لقاء مع العاملين في الصناعة النووية في بلاده، عن إمكانية التوصل إلى اتفاق في بعض المجالات بشأن الملف مع الغرب، بشرط الحفاظ على البنى التحتية الإيرانية.

وعليه وبناء على تم تناوله من تطورات، نجد أن هناك رغبة حذرة من الجانب الأميركي والإيراني لاستعادة الحوار وفتح قنوات التواصل، حتى وإن كانت غير معلنة، لمحاولة بناء جسر من الثقة بين الطرفين، فكما ذكرنا أن واشنطن تجنح إلى تبني المسار الدبلوماسي، وإنما بحذر شديد دون إغفال التهديد العسكري، وأن أوكلت مهمة الإشراف على المحادثات غير المباشرة إلى بريت ماكغورك، المقرب من مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، الذي لم يرجح إحياء الاتفاق النووي، كما استبعد التوصل إلى اتفاق مؤقت، وأشار إلى أن التوصل إلى تفاهم ما من دون توقيع، ومن دون الدخول في معطيات قانونية يعقد الأمر.

ودون أن نغفل حاجة الطرفين إلى الاتفاق في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، إذا قد نكون أمام مرحلة جديدة من التسويات التي ستعزز الاستقرار والأمن في المنطقة وتدفع بالاستثمارات قدما.