يشهد لبنان، بعد يومين، منازلة مفصلية بين فريقي "الممانعة" و"المعارضة" في مجلس النواب.
السبب الظاهر لهذه المنازلة هو انتخاب رئيس للجمهورية، أما السبب الكامن فهو اختبار قدرة أي من الفريقين على الربح بالنقاط، ليصار بعد ذلك إلى قراءة ما سوف تتمخض عنه هذه النقاط من معادلات داخلية جديدة تستوجب تغييرات في التكتيك والاستراتيجية الخارجية حيال الملف اللبناني، في حين لا إمكانية لطرح احتمال الفوز بالضربة القاضية لأي من الفريقين.
من هنا يصبح منطقيا أن يركب "حزب الله" أعلى ما في خيله.
كيف لا؟ وهو الذي يخوض حربا ضروسا لا تقتصر تداعياتها على مدى فشله أو قدرته على إيصال مرشحه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية، ولكن لقياس قوته ونفوذه للبقاء في سدّة التحكم بمفاصل البلد، لأنه يعتبر أن أي ارتخاء في قبضة تحكمه هذا، سوف تؤدي إلى انهيار تسلسلي لجبروته.
أكثر من ذلك، ينتاب المسؤولين في الحزب إحساس بالإحباط المقرون بغضب لم يتعودوا مذاقه المر، بعد حقبة ذهبية حافلة بالانتصارات، فالرسائل التي بعثوا بها تباعا منذ الاتفاق السعودي/الإيراني لم تؤتِ حصادها. ولم ينفع إعلان توحيد الساحات بعد صواريخ "حماس" من جنوب لبنان، كذلك لم تنفع الاستعراضات العسكرية للثنائي الشيعي ومن يدور في فلكهما، ولم تنفع عملية الاختطاف الملتبسة لمواطن سعودي.. وأيضا لم تنفع عودة الهجوم الإعلامي على المملكة، بالإضافة إلى وتيرة الخطاب المستعر والحافل بالتهديد والوعيد لكل من يحسب أن معركة الرئاسة مرتبطة بالدستور والعمل الديموقراطي وصندوق الاقتراع السري في مجلس النواب، وليست إملاءً يجب الانصياع له بالفرض والإكراه، ولا بحث له جدواه إذا لم يؤدِ إلى تعيين سليمان فرنجية رئيسا.
لذا انصب الاهتمام على إعادة الأمور إلى نصابها، وإفهام من تجرأ وتحدى الحزب أو انقلب عليه بأنه يحفر قبره السياسي بيده. والرسالة موجهة إلى الحليف السابق الذي خان "ولي نعمته"، وحسب أنه سيتمكن من الاستمرار على قيد الحياة السياسية، إذا ما رُفِع عنه الغطاء الذي لطالما وفره تفاهم "مار مخايل" بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله".
وأيضا انصب الاهتمام على إزاحة مرشح المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور من الطريق، بعدما بات جليا أنه سيستحوذ بعد يومين على أصوات تفوق أصوات فرنجية، لذا اعتمدوا أسلوب التحايل "اللطيف" بإظهار الغيرة على مصالحه، وإقناعه بأنه يخوض غمار عملية انتحارية، سوف تؤدي إلى خسارته وظيفته المضمونة في صندوق النقد الدولي مقابل لا شيء.
ويترافق هذا التحايل مع تركيب ملفات ضده حين كان وزيراً للمال في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006، وبالإضافة إلى مضبطة التهم الباطلة كانصياعه للإملاءات الأميركية والانخراط في محور الشر المتربص بالمقاومة، التي يبرع الحزب عادة في إعدادها ليزيح خصومه ويغتالهم سياسيا، إذا لم يكن مكتوبا لهم ان تتم تصفيتهم جسديا.
لكن في الأفق ما يؤشِّر إلى أن وسائل الحزب، بدأت تفقد بعضا من صلاحيتها ومفعولها. والأمر مخيف لمن يتابع سيرة الأحزاب الشمولية ومسيرتها، والتي تبقى أقل خطرا عندما تكون في ذروة انتصاراتها، وتصبح أكثر عدوانية وشراسة عندما تشعر بأن مصيرها مهدد.
بالتالي، من المفترض أن يتغير المشهد اللبناني بعد يومين. والحزب في معركته هذه يبدو وكأنه جاهز للذهاب إلى نهاية الأساليب الدستورية وغير الدستورية. وهو لن يلجم اندفاعته كثيرا، أو حتى قليلا، وسوف يقود البلاد من خراب إلى خراب في ظل الفراغ ليحقق مراده. المهم أن يبقى الأقوى. عدا ذلك لا شيء يستحق التوقف عنده.