دون مبالغة يمكن القول إن أحد مظاهرة قوة الدولة تتثمل فى قدرتها على إدارة الأزمات التى تواجهها، والتى تختلف طبيعتها فقد تكون ناتجة عن تجاذبات عسكرية، أو تتسبب فيها كوارث طبيعية، أو بيئية، أو اختلالات مالية، أو مماحكات سياسية لا يقتصر أثرها على الأبعاد الدبلوماسية فقط إذ ربما تمتد تداعياتها إلى جوانب اقتصادية.
قد تلقى الأزمات بظلالها على العالم كله وليس دولة بعينها، مثلما حدث أخيرا بتفشى وباء كورونا، الذى تطلب إجراءات دولية وواجهت كل دولة وأيضا المؤسسات العالمية الكبرى الأوضاع المترتبة على انتشار تلك الجائحة بحلول غير تقليدية، تقلل من الخسائر الاقتصادية والاجتماعية.
كمثال آخر للبعد العالمى الأزمة المالية التى اندلعت عام 2008، التى كانت بدايتها فى الولايات المتحدة وكانت الأخطر هناك منذ كارثة الكساد العظيم سنة 1929، لكن هذه الأزمة فى ذلك الوقت طالت أغلب دول العالم بدرجات متفاوتة، وكان على المجتمع الدولى وكل دولة على حده مواجهة هذا الاختلال المالى وأثاره الاقتصادية. وقد تؤثر نوعية أخرى من المشكلات الدولية على أوضاع بعض الدول، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، التى تسببت فى أزمات لكثير من الدول فى الإمداد بالقمح وزيوت الطعام، وهنا يبرز دور المراكز الوطنية فى إيجاد الحلول والبدائل والمشورة بها لمتخذ القرار.
منذ عقد الثمانينيات فى القرن الفائت بدأت الدول تدرك أهمية وجود مراكز تمتلك الحلول والخطط والأدوات لمواجهة الأزمات الطارئة وغير الطارئة، حتى لا تربك تداعياتها دولاب عمل الدولة، وكى تساهم هذه المراكز فى خفض الخسائر، وتساعد فى السيطرة على تداعياتها.. من أجل احتواء الاضرار ولتنفيذ المخططات المسبقة أو المستجدة يكون المركز مسؤولا عن تحديد مستويات وآليات أنظمة العمل، والتنسيق بين الأطراف المكلفة بإدارة الأزمة أو الكارثة في مراحلها الآتية:
أولا – قبل الأزمة
فى حالة الأزمات المتوقعة ومنها على سبيل المثال تعرض بعض الدول للفيضانات الموسمية أو الأعاصير المتكررة؛ أو أى ظواهر طبيعية أخرى عندها يناط بالمركز أن يقوم فورا بإدارة الأزمة المتوقعة؛ مع بداية حدوثها، ومتابعة تنفيذ الإجراءات شبه النمطية المتبعة فى هذه الأحوال الشائعة.
لكن قد تتطلب ازمة غير متوقعة أداءات غير مألوفة، أو استثنائية؛ مثل تشكيل سريع لفريق عمل ذى صلاحيات يدير ويضع الحلول الفورية، لذلك يجب إلزاما أن يضم المركز كفاءات متميزة، لأن التصرف غالبا ما يستدعى ردود فعل غير تقليدية، نتيجة الظروف الاستثنائية غير المألوفة غالبا، وضيق الوقت والضغوط الناشئة ، ويتحقق نجاح الفريق بما يحتويه من تنوع للخبراء في مجال اختصاص الازمة، وفي الجوانب المختلفة الاخرى ذات الصلة بها.. لذا وبصفة عامة فإن أسلوب فريق العمل يعتبر من أهم الطرق للتعامل مع الازمات الطارئة غير المتوقعة.
ثانيا – أثناء الأزمة
تتجلى صلاحية وبراعة مراكز إدارة الأزمات فى القدرة على أستمرار إدارة الأزمة، بتحقيق نتائج سريعة ملموسة تتبدى خلال فترة تواصل المأزق؛ وذلك من خلال دوام الجهوزية، والقدرة على تعزيز تبادل الخبرات مع الجهات ذات الصلة ومنها الأكاديمية، أو الحكومية، أو هيئات المجتمع المدنى، وترتبط هذه المرحلة بإطراد وكثافة عمليات الرصد، والتقييم، والتنسيق بين الجهات المختلفة المعنية بإدارة الأزمة، والمتابعة الدقيقة للمتغيرات على أرض الواقع، ومن ثم تتطور الحلول والإجراءات لتلائم المتغيرات التى تستجد سلبا أو أيجابا حتى تمام انتهاء مهمة المركز، وعودة الأوضاع إلى طبيعتها.
ثالثا – ما بعد الأزمة
فى هذه المرحلة تتم عملية تقييم شاملة لكل جوانب ما تم فى إدارة الأزمة، والوقوف على نقاط القوة والضعف، وتحليل الأداء سواء نتيجة عمل عناصر المركز أو الجهات المكلفة التى ساهمت فى الاشتباك الفعلى مع متطلبات التصدى للمشاكل والمخاطر فى بيئة الأزمة، ودراسة التداعيات التى نتجت عنها، ومن ثم يتم الخروج بالدروس المستفادة، وما يعقبها من تطوير للأداء والسيناريوهات والأليات المعدة للتعامل مع الأزمات.
يجب أن يتوفر إطار مؤسسى متكامل متعدد القطاعات على المستوى القومى عند تأسيس المراكز الوطنية العليا لإدارة الأزمات والكوارث والحد من المخاطر، فى إطار منظومة الصلاحيات المناسبة، والمرونة والتطوير، حتى يمكن بناء استراتيجيات وخطط وسيناريوهات قادرة على تحقيق الأداء الواجب؛ مهما اختلفت التحديات وصعوبة المواقف.
من الأهمية القصوى أن تنشأ لهذه المراكز بنية معلوماتية وتكنولوجية تتصف بالدقة والشمول، يتبعها نظام وطني موحد ومتكامل للإنذار المبكر، كى يتحقق التفاعل اللازم عند اقتصار التعامل على المركز الرئيسى، أو بالتعاون مع المراكز الفرعية لهيئات ومؤسسات الدولة، ولا يجب إغفال أهمية تمتين العلاقات مع الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة في مجال الأزمات والكوارث والحد من المخاطر والتعاون المباشر معها إذا اقتضت الضرورة، ومن الأهمية أيضا العمل على الأرتقاء بوعى المواطن فى هذا المجال.
لا يقتصر عمل مراكز إدارة الأزمات على مواجهة الكوارث الطبيعية، لكنه يمتد إلى المخاطر البيئية التى يتسبب فيها الإنسان كتسرب كمية كبيرة من البترول تسبب تلوث خطير على الشواطئ، وأخيرا أصبح على هذه المراكز كواجب فرعى التعامل مع مشاكل الاحترار الطارئة، ويتسع دور المراكز الوطنية فى الدول للمشكلات الداخلية الاقتصادية والسياسية مثل نقص السلع التموينية فى البلدان الفقيرة، أو الإضرابات، أوالتظاهرات، أوالاعتصامات والاحتجاجات.
بعد تبلور مهام المراكز الوطنية لإدارة الأزمات والحد من المخاطر أخذ هذا الدور فى الاتساع، ليتم تطبيقه فى بعض الوزارت ومؤسسات الدولة الكبرى، ثم تبنته فيما بعد الشركات والمؤسسات الخاصة خارج إطار المسؤولية المباشرة فى الدولة، لمواجهة الأحداث التى يمكن أن تتسبب فى تعطيل آليات العمل والإنتاج فى الشركة، وتعزيز دور مركزى فى الاستجابة للطوارئ التى تهدد الأنشطة التجارية كالتسويق وسلاسل الإمداد على سبيل المثال، ويناط أيضا بمراكز إدارة الأزمات فى الشركات التدخلات العاجلة إذا ادت أوضاع طارئة لمخاطر على الأفراد أو المنشأة.