تصريح أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، حول ضرورة إصلاح مجلس الأمن وإعادة النظر في اتفاقية بريتون-وودز، التي رسمت ملامح الاقتصاد العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية، يلتقي في شقه الثاني مع إعلان قمة الدول السبع الكبرى لمشروع مارشال شمالي قيمته 600 مليار دولار أميركي لتمويل البنى التحتية عالميا، تحت مسمى (الشراكة للاستثمار العالمي في البنية التحتية)، أو PGII.
هذا الجزء من البيان الختامي لقمة الـ G7 في هيروشيما يكمل مشروع التحوط الغربي تجاه مشروع الحزام والطريق التابع للصين، الذي يشكل نصفه الأول السعي لتحجيم واستبدال سلاسل الإنتاج والإمداد التي تعد الصين منشأها أو معبرها.
المسمى العالمي لمبادرة السبع الكبار موجه لما تكرر وصفه من قبلهم مرارا بـ"الجنوب العالمي"، ويشمل جنوب آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأميركا الجنوبية، وهي مناطق يحتاج سكانها إلى مرافق وخدمات أساسية تحرك التصنيع والبيع في اقتصادات "الشمال العالمي"، ويعينها على قطع طريق الحرير الجديدة.
وفق مبادرة السبع الكبار، يستثنى من الجنوب العالمي أستراليا ونيوزيلندا، لأنهما بلدان غربيان في أقصى الجنوب الشرقي للعالم، تماما مثلما تستثنى روسيا من الشمال العالمي.
لكن القمة العربية الأخيرة في جدة، في إبرازها لمتطلبات التنمية المستدامة وترسيخ التضامن وعدم التدخل في شؤون الآخرين، ومع إضافة موقف التوازن بين الشرق والغرب الذي فرضته التفاهمات مع الصين وروسيا والحذر من التكالب الغربي على الأحادية القطبية؛ كل تلك العوامل ستجعل الوفود الغربية تقفز عند كل خطوة تخطوها الدول العربية مستقلة، ناهيكم عن مثيلتها المتخذة بتفاهم مع الصين وروسيا.
وصف البيان مبادرة إنشاء حاضنة فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية بأن من مساعيها إبرام شراكات استراتيجية، ومن بين ما يجب أن تتصف به الحاضنة المنشودة هو تنفيذ التحريات حيال المشاريع التنموية وأبعادها السياسية ذات الوقع الدولي. فأزمات الغرب ما بعد جائحة كورونا وحرب أوكرانيا بحاجة إلى كل شيء وأي شيء لإعادة ملء خزائن دوله، وستحدث مساومات وتطاولات على دول الجنوب العالمي الذي ننتمي إليه في نظرهم، إن نحن تعاقدنا بنصاب متزايد مع دول وأطراف اختاروا معاداتها المزمنة، لأنهم باختصار لا يطبقون مبدأ "عش ودع الآخر يعيش".
السؤال الملح هو ما هو مقدار أهلية مفاوضينا لمجابهة مفاوضيهم عند الابتزاز على نصاب المشاريع؟ السؤال مهم لأن التصعيد وارد، واستهداف الشؤون والشخوص والمكتسبات الوطنية بمحاولات التحقير والاغتيال المعنوي أيضا وارد، والخسائر الواقعة فادحة والمكاسب المرجوة عظيمة.
كخطوة أولى، يجب تأهيل مفاوضينا المحتملين للخروج من الحنين العاطفي لثقافات غربية درسوا في أوساطها وشكلت صدمة لبعضهم، فقط ليخرجوا من أسر النموذج التنموي الذي حلموا يوما باستيراده او استنساخه، ليعملوا على النموذج الوطني الهجين الذي يجمع أرقى تجارب الغرب والشرق ويعالجها بالطابع المحلي، لترتقي دول المنطقة من حيث توقف الآخرون.
أما الخطوة الثانية، فيجب أن تتفق الأوساط الدبلوماسية في دولنا على كلمة سواء، مفادها انعدام العمل المشترك إن لم تتساوى فيه المنافع بين الأطراف المفاوضة والمتعاقدة من الغرب والشرق، ودون إملاءات مباشرة أو كيدية.
عبارتا (نعم/لا ولكن) سيدتا المواقف الجيوسياسية والجيو-اقتصادية من الآن فصاعدا.