يغيب لبنان عن خريطة التطورات الإقليمية المتسارعة. يبدو خارج المدار، من اليمن وتبادل الأسرى إلى حركة "حماس" التي يزور وفدها المملكة العربية السعودية، إلى اجتماع جدة لبحث مستقبل العلاقات مع سوريا.

يراقب ديناصورات السلطة فيه ما يجري حولهم، ويحللون وينتظرون مآل هذه التطورات، ليلتحقوا بسكة المصالحات الجارية.

حتى الآن، لم تُفْتَح لهم كوة ليدخلوا المدار وينخرطون في إيقاعه. على العكس، يبدو وكأن هناك من يعمل على سد أي ثغرة ولو ضئيلة يمكنهم النفاذ منها.

لا بارقة أمل توحي بأن هناك من ينوي وضع ملف أزماتهم على نار حامية. ربما يتساءلون ويحتارون عن رفض أصحاب القرار الخارجيين لهم. قد يبررون عدم الاهتمام بهم بأن انشغالات الخارج كثيرة وأولوياته في مكان آخر تبدأ بأوكرانيا ولا تنتهي في إيران وتايوان. قد يبادرون إلى استدعاء الأزمة الاقتصادية العالمية، ولا يوفروا وطأة الصراع على السلطة في السودان.

حينها يبادرون إلى طمأنة أنفسهم وإراحة بالهم بأن الأولويات الطارئة تطغى على المحاولات الأخيرة منذ لقاء باريس الخماسي الذي لم يتوصل إلى بلورة إطار حل يمكن الانطلاق منه لانتخاب رئيس للجمهورية.

يخترعون التبريرات حتى لا يعترفوا، بأن هذا الخارج لم يعد يتوقف عند أزماتهم المفتعلة لتغطية فسادهم ولفت الانتباه. فهذه الوسائل لا مفاعيل لها في الخارج، وانما هي لداخل لا دولة تحكمه ولا حكومة تتولى إدارته ولا سيادة يجب حمايتها حتى لا تستباح.

ربما يفكر ديناصورات السلطة بوسيلة أقوى للفت الانتباه، بعدما تسببت نغماتهم الممجوجة وصراعاتهم التافهة بالملل لكل من تعامل مع ملفات الأزمة. وفي هذا الإطار تندرج رسائلهم الصاروخية، التي استعانوا لإرسالها بفصائل فلسطينية يفترض أنها تدور في فلك الممانعة، لتأتيهم المفاجأة من زيارة وفد حركة "حماس" إلى السعودية.

وكأن هناك من يقول لهم بأن لا لزوم في هذه المرحلة للتعامل مع البديل، مع فتح الأبواب للأصيل.  وما لم يتحركوا لحل أزماتهم التي تسببوا بها بأنفسهم من خلال الكف عن ممارساتهم لمزيد من التحكم والسيطرة، لن يجدوا من يسمعهم أو يلتفت إلى هموم شعبهم.

فلا تطورات سياسية ملفتة تساعد على تحريك الملف اللبناني ويمكن ان تحدد مسار الأمور ايجابا أم سلبا، إلا بخطوات داخلية شفافة ومحمومة بالمصداقية، وليس بكلام تنقضه الأفعال.

 وإذا لم ير الخارج أي خطوات عملية لانتخاب رئيس للجمهورية وفق مواصفات تخدم لبنان قبل أي أمر آخر، سيستمر التخلي الحالي عن التدخل بانتظار إعادة ترتيب أوضاع المنطقة. وبعد ذلك، قد يصار إلى بحث مصير هذه الخاصرة الهامشية، المثقلة بالويلات.

وما دامت غالبية الديناصورات تجتهد تحت راية الحاكم بأمره، وترضى بمخالفة الدستور والامتناع عن انتخاب رئيس جديد في المهل الدستورية المحددة، لا لزوم لجهد لن يؤتي مفاعيله.

لم يعُد أحد يسأل عن السرديات المنبثقة من الصراع على السلطة، والتي تفرض تكريس التشرذم، والاستشراس في معارك تتيح لهم الاستفراد بالساحة السياسية ليحظوا بالغنيمة لدى التفات المجتمعين العربي والدولي إلى الخاصرة اللبنانية.

يتناسون أن إغفال العلة الأساسية التي يجب اقتلاعها، والمتعلقة بحماية الفساد للاستمرار بمصادرة السيادة والقبض على الدولة وقراراتها، هي ما يحول دون انخراطهم في مدار التسويات، ويُمَكِّنهم من التقدم إلى حلول قد تعوِّم وجودهم في السلطة.

فالتقديمات المجانية التي تذهب إلى قعر مثقوب لم تعد واردة. وسيبقى لبنان بفضل جهودهم التدميرية خارج المدار خاصرة هامشية ملتهبة، لأنهم يخافون خسارة نفوذهم إذا ما تحول إلى رئة تتنفس هواءً خاليا من تلوثهم.