عندما ظهرت الطائرات الحربية فى الحرب العالمية الأولى سرعان ماتفتق ذهن القادة العسكريين عن وسائل مبتكرة لمواجهة استخدام الطائرات، التى استجدت على ساحة المعارك من الجو، وكانت ذات تأثير ضار على القوات البرية، وتسببت فى إرباكها عند أداء المهام وتنفيذ الخطط والتكتيكات.
فى التو كما هى العادة دائما حينما يظهر سلاح جديد يبدأ رد الفعل السريع فى البحث عن أسلحة مضادة، للحد من فاعلية هذا السلاح، لكن سرعان ما يتطور السلاح الذى استجد على ميادين القتال وفى المقابل يترقى السلاح المضاد، وهذا بالطبع ماحدث بين الطائرة والأسلحة الأرضية التى تتصدى لها؛ وتقاومها وتمنعها من تنفيذ مهامها بل وتسقطها من عليائها.
لأن الطائرات الحربية فى الحرب العالمية الأولى كانت بدائية مقارنة بمقاتلات وقاذفات اليوم والطائرات متعددة المهام من ثم كانت الأسلحة الأرضية التى تتصدى لها متناسبة مع إمكانيات الطائرات المتواضعة.. فى البداية كانت المراقبة بالنظر وسماع صوت الطائرات نهارا هى وسيلة الرصد والإنذار للمضادات الأرضية، التى كانت عبارة عن مدافع ورشاشات هزيلة ذات أعيرة صغيرة، يمكنها أن تصيب الطائرات ذات إمكانيات التحليق التى كانت منخفضة، وهذا يجعلها فى مدى الأسلحة المضادة للطائرات، أما فى الهجمات الجوية الليلية فكان يتم تسليط كشافات ضخمة تضيئ السماء؛ حتى تتمكن المدفعية من التصويب عليها.
لم تشهد الحرب العالمية الثانية تطورا ملحوظا فى أساليب الدفاع الجوي؛ سوى أن الرادرات أصبحت عامل رئيسى وفاعل فى اكتشاف الطائرات المغيرة، لكن فكرة بناء منظومة للدفاع الجوي بدأت فى التبلور فى هذه الحرب نتيجة التصدى للهجمات الجوية المتواصلة على بريطانيا، وبعد أن كانت المضادات الأرضية تعتمد على الرشاشات ومدافع 3 بوصة مع المشاة بدأت تتشكل داخل سلاح المدفعية الأرضية وحدات متخصصة من أعيرة نيرانية مختلفة فى مواجهة الطائرات المهاجمة.
حتى نهاية الحرب العالمية الثانية لم تكن الصواريخ قد ظهرت كسلاح غير فى ألمانيا النازية، وانحصرت فى الاستخدام الباليستى كصواريخ أرض أرض على استحياء فى نهاية الحرب، لكن الدول الكبرى أولت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية عناية فائقة فى الاهتمام بتطوير الصواريخ، وفى خطوة مفصلية عرفت الصواريخ طريقها إلى الصراع الدائر بين الطائرة والمضادات الأرضية، وظهرت الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات كتطور تاريخى وجذرى عززه من قبل استخدام الرادار.
كوسيلة نقل للركاب والبضائع فى الحياة المدنية قفز الطيران قفزات هائلة؛ أمتدت بطبيعة الحال إلى الطيران الحربى، الذى شهد نموا مطردا فى إمكانياته التى فاقت كل التصورات بعد الحرب العالمية الثانية، من حيث قدرات الطيران، والمناورة الهائلة، والسرعة التى فاقت سرعة الصوت (تجاوزت 3ماخ)، وأتيح للطائرات تزويد بالوقود فى الجو، كما تخطت القدرات القتالية كل حدود الاستخدام السابقة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قذائف وصواريخ جو/ جو وجو/ أرض بالغة الدقة؛ ذات التوجيه الرادارى والحرارى والليزرى.
فى مقابل تطور أسلحة الجو تغيرت قواعد اللعبة فى الأسلحة المضادة للطائرات رأسا على عقب، حتى أن الجيوش التى كانت تتكون فى أفرعها الرئيسية من قوات برية وبحرية وجوية أضيفت لها نتيجة اتساع مهامها قوات الدفاع الجوي، التى شهدت تطورا غير مسبوق فى تنظيماتها وهياكلها وطبيعة تسليحها، كما أن وسائلها أصبحت تلحق بالقطع البحرية الرئيسية فى عرض البحار والمحيطات لتأمينها من الهجمات الجوية، وتجاوزت التصدى للطائرات المقاتلة إلى منازلة الصواريخ الباليستية.
نتيجة ظهور تهديدات جديدة فى مجال الفضاء تجاوزت صواريخ أرض/ جو فى منظومات الدفاع الجوي الحديث مهام مواجهة الطائرات داخل الغلاف الجوي، إلى إمكانية مهاجمة الأٌقمار الصناعية خارج طبقات الغلاف الجوي القريبة، لاسيما أن الأقمار الصناعية العسكرية أصبحت تلعب دورا مؤثرا فى عمليات الاستطلاع وتوجيه القوات وتصويب كثير من الأسلحة الحديثة، ومن ثم تغيرت تسمية قوات الدفاع الجوي فى بعض الدول الكبرى إلى قوات الدفاع الجوي والفضائي.
مع التطور المستمر وتعاظم المهام أصبحت منظومات الدفاع الجوي الحديثة تتكون من:
أولا- عناصر استطلاع وإنذار آلى، تنقسم إلى مجموعة رادارات متعددة المسافات، تمسح المجال الجوي لاكتشاف سرعة ومسافة وارتفاع واتجاه الطائرات المعادية والصواريخ الباليستية.
ثانيا- أنظمة القيادة والسيطرة الآلية التى تعمل على إنجاز سرعة رد الفعل عند الاشتباك والمراقبة الآلية لسير الاشتباكات، والتحليل الرقمى للمعلومات عن الأهداف، وتوفير القدرة على حماية الطائرات الصديقة، وتساعد كل هذه العوامل على تقليل وقت اتخاذ القرار، والسيطرة والتنسيق بين الوحدات المخصصة للإشتباك، وترتبط منظومة القيادة والسيطرة فى الدفاع الجوي بمراكز الدفاع والسيطرة التعبوية والاستراتيجية للقوات المسلحة.
ثالثا- الأنظمة المتطورة من وسائل الحرب الإلكترونية للتصدى لأعمال التشويس والإعاقة المعادية.
رابعا- الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات متعددة المهام، ذات الأنواع المختلفة من حيث طبيعة الاشتباك تبعا لمسافة وارتفاع الهدف، وتعمل وحدات الصورايخ على منصات متحركة فى إطار المنظومة المتكاملة، وتوجد أنظمة صواريخ فردية محمولة على الكتف تلحق بالقوات البرية؛ يمكنها التعامل مع الطائرات القريبة والمروحيات، وقد أصبحت الصواريخ العنصر الأساسى على النطاق الأوسع لمواجهة الطائرات.
خامسا- المدفعيات المضادة للطائرات ذات الأعيرة المختلفة، أصبحت تتكون من حزمة رشاشات أو مدفعيات خفيفة تعمل معا، تطورت أنظمة هذه المدفعية بدرجة كبيرة بعد تحديث رادارها المحلى وأنظمة إدارة النيران وتمييز الأهداف الصديقة، كما زودت بنظام بحث ليزرى عن الأهداف وأدمجت معها أخيرا أنظمة صواريخ ملائمة، ويمكن لهذه المدفعية الاشتباك مع أهداف أرضية كاستخدام ثانوى.
سادسا- الطائرات المقاتلة، وهى إما أن تكون من صلب تنظيم قوات الدفاع الجوي أو تعمل هذه الطائرات – فى بعض الجيوش – من خلال تنظيم التعاون بين قوات الدفاع الجوي والقوات الجوية.
لا يقتصر دور قوات الدفاع على حماية القوات البرية والقواعد الجوية والبحرية والقوات فى ميادين القتال فقط، لكنها تقوم أيضا بتأمين الأهداف الحيوية والاستراتيجية فى كامل مساحة أراضى الدولة، والتصدى لأى إغارات على الأهداف المدنية ومحاولة ترويع المدنيين والإضرار بهم.