عدة مصالح متقاطعة قد تفيد سوريا وجوارها. روسيا تبسط فيها الأمن لحفظ الأرواح ودحض اتهامات الغرب في أوكرانيا، والصين تعيد إعمارها لتكذيب الاتهامات لدبلوماسيتها التنموية بتكبيل الدول بالديون.
وإيران تراجع أولوياتها فيها (وفي اليمن والعراق ولبنان) لحسن النوايا أمام الاتفاق مع السعودية، وتركيا تراجع سياساتها معها بعد الزلزال المشترك في سنة انتخابية ووضع اقتصادي يكابد للخروج من الخطر، والأكراد في الدول الأربع المتجاورة يكسبون فرصة تاريخية لإنهاء معاناتهم المزمنة عند ازدحام الأهداف المتقاربة.
يذكرني هذا النشوء لبؤرة المصالح في سوريا بلعبة حاسوب قديمة اسمها "Sim City" اختصاراً للفعل simulate أو القيام بالمحاكاة، يرسم فيها اللاعب مع الحاسوب خطة تحاكي تعمير وتنمية مدينة افتراضية أو إصلاح وتطوير مدينة قائمة وتلبية متطلباتها واحتياجات سكانها. تبعتها لاحقاً لعبة شبيهة لمحاكاة نشوء وتطور الحضارات اسمها "Civilization"، يضع فيها اللاعب خطة لعراق الأشوريين أو لمصر الفراعنة تشمل الريّ والحصاد والتحوّط للتقلبات والظواهر المناخية والحروب التاريخية، وفي اللعبتين يتم تقييم اللاعب على مدى نجاح نموذجه للمدينة أو الحضارة، بمقاييس تعكس مقدار المهارة الإدارية والتنسيق طويل الأمد لتحقيق المطلوب لنهضة واستمرارية المدن والحضارات.
بالطبع حاشى لله أن تختزل المعاناة السورية في مثال لعبة حاسوب، لكنه مثال متفائل يقرّب الصورة لجيل ماضي التكنولوجيا وحاضرها، للمسارعة في إنهاء كارثة طال أمدها في عالم كثير المزاعم، ما انفكّ يدعو إلى فضّ النزاعات والقضاء على الإرهاب وتحقيق التعايش، والتحوّل إلى النمط التنموي الأخضر في الطاقة والزراعة والرعي والمواصلات وتدوير المخلفات، ولكل دولة كبرى أدوات تمكنها من تطبيق مزاعمها المثالية في القطر السوري، وفي أي بند من هذه البنود، على أمل إعادة تطبيقها في مواقع في الدول المساهمة ذاتها، وحتى في أوكرانيا مستقبلاً، وفي بقاع أخرى مثل الصومال.
يبدو أن هذه الفكرة بحاجة إلى اجتماع يضم ممثلين عن شركاء المصالح بحسب الفرضيات المُعَددة هنا، لا يهم حالياً أي دولة تستضيفه.. فليكن مبدئياً بالفيديو عن بعد، ولكن على كل طرف أن يعدد مصالحه وما يقدمه تحقيقها لمصالح الأطراف الأخرى، ليكون الفوز متعدد الأطراف بمكاسب آن لها أن تتحقق في إقليم فترات اضطرابه أطول بكثير من استراحات استقراره.