رغم انشغالها واهتمامها بحرب أوكرانيا وخوض صراع ناعم مع كل من الصين وروسيا حتى اللحظة، إلا أن عيون الولايات المتحدة شاخصة بشكل أقل إلى الشرق الأوسط، ولهذا زار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أخيراً الأردن ومصر وإسرائيل لتأكيد التزام إدارة بايدن على تمتين الشراكات الأمنية وطمأنتهم بشأن التزام واشنطنت تجاه المنطقة، ومواجهة تهديدات إيران التي اقتربت أكثر من امتلاك خيار نووي وإمكانية صنع قنبلة نووية.
هذا إضافة إلى تركيز الولايات المتحدة على ارتفاع منسوب العنف في الضفة الغربية وخاصة بعد أن تسلم بن غفير حقيبة وزارة الأمن القومي الإسرائيلي بصلاحيات واسعة، لتشهد المدن والقرى الفلسطينية أشرس الاعتداءات من قبل المستوطنين والجيش الإسرائيلي على المدن والقرى الفلسطينية، وتالياً ردات فعل فلسطينية قد تشمل كامل الضفة الغربية والقدس كما حصل عام 2000.
اللافت أن زيارة الجنرال أوستن حصلت قبل أيام لكل من الأردن ومصر وإسرائيل بعد زيارات مكوكية إلى منطقة الشرق الأوسط قام بها عدد من المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ووزير الخارجية، وفي الوقت الذي أشار الخبير بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون ديفيد دي روش، إلى أن توقيت زيارة أوستن للمنطقة هامة كثيراً، قال السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط والخبير حاليا في المجلس الأطلسي، إلى إنها أتت متأخرة جداً.
وقد يكون مرد قول السفير اقتراب إيران من صنع قنبلة نووية بعد عدة أيام في ظل عدم جدية إدارة بايدن استخدام وسائل وسبل ضغط حقيقية على إيران بمنعها من امتلاك خيار نووي، وتمددها عبر أذرعها الميليشياوية في عمق الشرق الأوسط كاليمن والعراق ولبنان وسوريا، الأمر الذي جعل العديد من دول الخليج تعبر عن مخاوفها جراء هذا الزحف والتهديد ات الإيرانية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تشهد علاقاتها مع إدارة بايدن بعض التوترات، وثمة اعتقاد أن دول الخليج العربي ستعمل إلى بناء علاقات متسارعة مع الصين بسبب عدم جدية إدارة بايدن إزاء المخاوف المحقة من قبل دول الخليج رغم الحديث المتكرر من قبل أركان إدارة بايدن عن علاقات استراتيجية أمنية واقتصادية معها.
وتبعاً لذلك تبدو زيارة أوستن لمنطقة الشرق الأوسط مجرد ذر الرماد بالعيون ليس إلا حتى لا يحصل فراغ في المنطقة تملؤه دول وازنة اقتصادياً كالصين، على عكس أهداف الزيارة المعلنة والتي تتمثل بالتزام إدارة بايدن على تمتين الشراكات الأمنية، ومواجهة تهديدات إيران التي اقتربت أكثر من امتلاك خيار نووي.
ومن الأهمية الإشارة إلى أهداف زيارة أوستن إلى منطقة الشرق الأوسط أخيراً تتضمن خفض التوترات في الضفة الغربية، بالإضافة إلى التأكيد على نقل التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه الشرق الأوسط، إلا أن إدارة بايدن لم تسعى بشكل جدي وفعّال للضغط على إسرائيل للتفاوض مع الطرف الفلسطيني والوصول إلى حل الدولتين كما تشير إليه إدارة بايدن في خطابها السياسي على كافة المستويات وفي كافة المناسبات والمحافل.
والثابت الدعم المستمر والمطلق من قبل إدارة بايدن لإسرائيل رغم أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ألمحا إلى احتمال عدم العمل مع بن غفير وغيره من المتطرفين اليمينيين، وذلك خلال اجتماعهما مع الرئيس الإسرائيلي قبل عدة أشهر.
وأكدت الإدارة الأميركية عن قلقها من الخطاب العنصري لبن غفير وحزبه ومواقفه تجاه الفلسطينيين، حيث بات بن غفير وزيراً للأمن القومي بصلاحيات واسعة جداً ويدعو إلى اقتحام المدن والقرى الفلسطينيين دون ردة فعل حقيقية من إدارة بايدن على أفعال الوزير العنصري المذكور وحكومة نتنياهو بشكل عام والذي يعتبر بن غفير أهم أركانها، في وقت أهملت فيه إدارة بايدن علاقاتها مع الأردن ومصر، حيث يعتبران شريكان مهمان لأميركا في منطقة الشرق الأوسط ولهما دور محوري في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقد أبلغ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال استقباله في العاصمة الأردنية عمان قبل عدة أيام "بأن تصاعد العنف في الضفة الغربية يهدد الاستقرار في المنطقة، مشددا على ضرورة "التهدئة" في الأراضي الفلسطينية وداعيا إلى "خلق أفق سياسي يمهد الطريق إلى إعادة إطلاق مفاوضات السلام".
يبقى القول أن زيارة أوستن الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط كان لها عدة أهداف وخاصة طمأنة حلفائها في الخليج العربي على استمرار الدعم العسكري الأميركي والعمل على عدم امتلاك إيران خياراً نووياً، لكن تحولات المشهد السياسي لم تثن طهران عن ذلك.
ويبدو أن الضغوط الأميركية غير مجدية حتى اللحظة ومتشتتة في ملفات قد تكون أكثر أهمية كملف الحرب في أوكرانيا والحرب الناعمة مع الصين.
ومع استمرار توغل إيران في عمق منطقة الشرق الأوسط عبر ميلشياتها، ستخسر إدارة بايدن وأميركا معاً مزيداً من حلفائها في المنطقة.