لم تكن الدبابة سوى فكرة تداعب خيال المهندسين الذين يعملون في مجال الصناعات العسكرية أو يهتمون بها، إلى أن ظهرت على استحياء في مسارح العمليات الأوروبية أثناء الحرب العالمية الأولى، بالطبع كانت البدايات الأولى لهذا السلاح الجديد متواضعة، ورغم أهميتها إلا أنها واجهت مشكلات في مستهل استخدامها.
ترسخت مكانة الدبابات بدرجة هائلة في الحرب العالمية الثانية، وأصبحت تسرح وتمرح في كل ميادين القتال وهي تجول في قارات العالم القديم في أوروبا وآسيا وأفريقيا، وما أشهر معارك شمال أفريقيا التي خاضها "ثعلب الصحراء"، إرفين روميل، عندما استخدم خطط بارعة لقواته المدرعة في معارك الصحراء، وفى جنوب شرق آسيا ما أكثر معارك الدبابات الشرسة التي خاضتها قوات الحلفاء وقوات المحور التي كان يمثلها اليابانيون.
في أوروبا صالت وجالت المدرعات حيث كانت معارك الدبابات من بداية الحرب العالمية الثانية حتى نهايتها، وكانت العامل الأساسي في حسم كثير من المعارك، وعلى سبيل المثال حققت القوات الألمانية نجاحات باهرة في حروبها الخاطفة Blitzkrieg نتيجة حسن استخدام المدرعات والقوات الميكانيكية؛ رغم التفوق العددي للحلفاء في المدرعات والمشاة قبل اختراق الجبهة الفرنسية.
يشار في أدبيات العلوم العسكرية إلى أن معارك "كورسك" بين قوات النازي الغازية والقوات السوفياتية المدافعة هي الواقعة التي شهدت الاستخدام الأكبر لمعارك الدبابات في تاريخ الحروب قاطبة، ومن معارك كورسك اللافتة معركة "بروخوروفكا" التي حشد فيها الألمان 850 دبابة في مقابل 250 للسوفيات وحقق الألمان انتصارا تكتيكيا، ما لبث أن تبدد ببراعة الدفع بالاحتياطيات السوفياتية الكبيرة التي غيرت دفة المعركة، ويعزى لمعارك كورسك أنها التي حددت المسار النهائي للحرب العالمية الثانية ومن ثم التقدم من روسيا نحو برلين.
تتمثل أهمية الدبابات أو سلاح المدرعات في المعارك البرية في خفة الحركة، وقوة الدروع، وقوة النيران، وقدرة أعلى على المناورة، ولأن الدبابة هي سيدة المعارك البرية نالت حظها من التطور التكنولوجي لتظل أداة سيطرة ميدانية.. سلاح الدبابة الأساسي هو المدفع ذو العيار الكبير، إضافة إلى بعض الأسلحة الفرعية مثل الرشاشات وقنابل الدخان، وأخيرا تم الاعتماد على الليزر لتحديد مسافة الأهداف بدقة عند الاشتباك، ولإبقاء البرج متزنا ومستقيما أثناء الحركة والاشتباك زودت الدبابات بالجيروسكوب ذي القدرة على استشعار دوران الجسم، ومن أجل حماية أرواح طاقم القيادة صممت قمرة القيادة لتكون منعزلة عن بقية أقسام الدبابة مما يمكن أفراد الطاقم في البقاء على قيد الحياة عند الإصابة من الأسلحة المضادة.
بطبيعة الحال، وكما هو الحال دائما، عندما يظهر سلاح جديد سرعان ما يبرز السلاح المضاد لمواجهة وإبطال قدرات السلاح الذي استجد في ترسانة الجيوش، وما أن ظهرت الدبابة سرعان ما ظهرت المدافع المضادة للدبابات وذخائر اختراق الدروع، وكالعادة يقابل كل تطور في الدبابة تطور مماثل في الأسلحة المضادة، وبعد حرب السادس من أكتوبر ونتيجة الدور الهائل الذي لعبته فيها المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات على يد القوات المصرية أعيد النظر في وضع سلاح المدرعات في دوائر الاستراتيجية العسكرية لدى الدول الرئيسية في صناعة الدبابات، ومن ثم تم تطوير وسائل جديدة في أساليب الاستخدام والحماية مثل إحاطة الدبابة بستائر معدنية يتم تثبيتها على بعد مناسب من البدن، وإنشاء الدروع التفاعلية المحتوية على مواد متفجرة تبدد القوة الانفجارية للقذيفة المهاجمة إلى خارج الدرع، واتخاذ إجراءات تعمل على تقليل وتشتيت البصمة الحرارية للدبابة.
ولأن الصراع لا ينتهي بين السلاح والسلاح المضاد له دخلت على الخط أخيرا الطائرات المسيرة المبرمجة، أما للقيام بعملية أشبه بالهجوم الانتحاري بتفجير المسيرة نفسها على جسم الدبابة من أعلى، أو بتوجيه صاروخ خارق للدروع على المنطقة العليا، وهذا التطور الجديد يشكل تهديدا بالغ الخطورة؛ لأن هذه المنطقة من الدبابات درعها أضعف من باقي البدن، كما أن المساحة العلوية لم تكن معرضة للإصابة المباشرة إلا في أضيق الحدود، إن لم تكن هذه الإصابة منعدمة في كثير من الأحوال.. لكن من المؤكد أن هذا التهديد الجديد سرعان ما ستوضع الحلول لمواجهته، كما هي المعركة الأبدية بين السلاح والسلاح المضاد.
في الحرب العالمية الأولى التي كان فيها الظهور الأول للدبابة على يد البريطانيين لم يحقق هذا السلاح الجديد نتائج حاسمة في العمليات الحربية، نظرا لغياب قواعد الاستخدام الواضحة في مرحلة بناء الخبرات، لكن على النقيض التام لعب سلاح المدرعات دور محوريا في العمليات البرية من الأطراف كافة في الحرب العالمية الثانية، لاسيما مع تأسيس الجيوش لقوانين قتال المدرعات.
تمتلك جيوش العالم الآن عشرات الألاف من الدبابات التي أصبحت مزودة بأجهزة تكنولوجية فائقة الإمكانيات، ووسائل لحماية وراحة طاقم الأفراد، وقدرات نيرانية قوية ومتنوعة.. تاريخيا.. وخلال ما يزيد قليلا على مئة عام حدث هذا التطور الهائل للدبابة الذي ما كان ليجول بخاطر أو يداعب خيال الصناع الأوائل، وتحديدا بعد الاستخدام الأول يوم 15 سبتمبر 1916 عندما أُشركت دبابتان من طراز "مارك1" في معركة "فليرس كورسيليت" في منطقة "السوم" الفرنسية.
من حيث خفة الحركة والسرعة، الدبابات هي معادل الخيول في الحروب القديمة، حيث سجل أول استخدام لها منذ خمسة ألاف عام، ولأن الدبابة هي وريثة الخيل التي كان يطلق عليها في تنظيم الجيوش القديمة سلاح الفرسان، استمرت التسمية إلى حين عندما حلت الدبابة بديلا عن الحصان؛ إلى أن استحدثت تسمية سلاح المدرعات، والتسمية الجديدة مشتقة من طبيعة التدريع لهذا السلاح الذي يصنف في الحرب البرية كأحد أسلحة القتال الرئيسية.