تصعب الأمنيات في الأسبوع الأخير من العام الحالي، ليس في لبنان فقط، أو في شرقنا الأوسط، بل أينما كان على ما يبدو.
لا فرق بين عالم أول، وعوالم ثانية، وثالثة، ورابعة. الكل غارق في الهم وإن بدرجات متفاوتة، أو أن التصنيف انتابته علة، فلم يعد الأول أولاً بالأمان والاستقرار والقيم والأفكار، والأهم بالقدرة على قيادة نفسه ومن حوله وفق المبادئ التي حددت له مكانته ومنتحته تصنيفه وفق مستوى المعيشة والعلم والرفاه التي يؤمنها لشعبه.
ولعل خير دليل على اضطراب التصنيف، ما تشهده دول عريقة من أزمات الاقتصادية وإضرابات تقفل مطاراتها وتعطل قطاراتها وتسجل أدنى مستويات الخدمات لمواطنيها.
وكأن هناك يدا خفية تعبث بين العوالم، فتصيبها بخلل وإن بدرجات متفاوتة.
أو كأن هذه اليد وبغفلة عن الجميع تزرع الأرض بألغام الفقر والجهل والكراهية والعنف والتطرف: ففي أفغانستان، أمرت سلطات طالبان في الأسبوع الماضي، المنظمات غير الحكومية بالتوقّف عن العمل مع النساء لعدم اتباعهن قواعد اللباس المناسبة. ويأتي الإعلان بعد أربعة أيام من منع الفتيات من الدراسة في الجامعة للأسباب نفسها. وقبل ذلك قامت ثورة في إيران بسبب قتل مهسا أميني التي لم يتوافق حجابها مع القوانين المرعية الإجراء.
وفي باريس، يهجم متطرفٌ على مركز للأكراد ويقتل ثلاثة أشخاص، ربما لأنه ضاق ذرعا برعاية دولته لهؤلاء الغرباء عنه في القومية والدين.
ولا تنتهي الأمثلة، سواء تم تسليط الضوء عليها أم لا. وهي ليست عابرة أو ثانوية، فارتداداتها لا تزال مجهولة المفاعيل على أكثر من مستوى، ولا قواعد تحكمها أو تحكم ماهية العلاقات الدولية التي ستترتب بفعل هذه الفوضى، ما ينذر بعام مقبل ملئ بمفاجآت غير سارة وبخيبات لا يستهان بها.
وفي الأمر ما يخيف بلدا صغيرا كلبنان تتهاوى مقوماته شيئا فشيئا، ولا معيث.
أكثر من ذلك، ما يحصل يشير إلى انزلاق للبنانين اليائسين باتجاه التطرف السائد. ففي كواليس الشغور الرئاسي والشلل الحكومي والتعطيل المتعمد لدور مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، يعود مشهد غلبة الطائفة إلى الواجهة.
وأكبر مثال على ذلك ما شهدته منطقة الأشرفية عقب فوز فريق المغرب على البرتغال في مونديال قطر، فقد أثار الإشكال بين المحتفلين من "مناطق المسلمين" في عمق "مناطق المسيحيين" شهية "نواب الأمة" في المنطقة لاستخدام لغة "طائفية" بامتياز، قائمة على الفعل ورد الفعل، وليس على القوانين المرعية الاجراء، أو على محاولة تصويب الأمور باتجاه الويلات التي يغرق فيها الشعب اللبناني بكل طوائفه جراء الانهيار الاقتصادي والمالي المخيف والمتواصل بفعل خلافات ظاهرها طائفي وباطنها صراع على الحصص والنفوذ، فقط لا غير.
ومن المتوقع أن يتكرر الموقف وتتكرر مظاهر "الأمن الذاتي الطائفي" في كل الشوارع اللبنانية، وتطغى على حقوق المواطنين الذين تجاوزوا خط الفقر، كما تشير المنظمات الدولية، فالمعادلة اليوم هي إما الطائفة أو الدولة، لتبقى الغلبة لمجموعات تتأرجح بين "حزب الله" و"جنود الله" وما شابه..
كذلك من المتوقع أن يستمر وضع لبنان في الثلاجة الدولية، والانصراف إلى ملفات أكثر إلحاحا أو أكثر محاكاةً لمتطلبات المصالح الدسمة للدول الفاعلة التي تأتي على ذكره بما يؤكد استمرار أزماته في غياب تام لأي حراك داخلي سياسي أو شعبي كفيل بلفت الأنظار إليه وحث الآخرين على المساهمة في إنقاذه.
ووفقا للمعطيات الدولية والإقليمية والمحلية.. واضح أن 2023 لناظريه، في العالم عموما، وفي لبنان تحديدا، ليس واعدا بالمن والسلوى والحلول العجائبية لأزمات تتناسل وتتفرع منها ويلات وكوارث.