يستخدم ملايين الأشخاص حول العالم يوميا نظام تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية "GPS"، ليحددوا وجهاتهم وأسهل الطرق وأقلها ازدحاما.
ورغم ظنّ كثيرين باستحالة تعرض نظام تحديد المواقع للتشويش أو الاختراق والتضليل، إلا أنها قابلة لذلك في حقيقة الأمر.
وبخلاف الاعتقاد السائد بأن أنظمة تحديد المواقع عصية على مخترقي الأنظمة "الهاكرز"، فإنهم قادرون على خداعها، والتسبب بمشكلات تؤثر على موثوقيتها، وإظهار مواقع في غير مكانها الصحيح.
ولا يقتصر استهداف أنظمة تحديد المواقع على الأغراض المدنية فحسب، وإنما بات جزء من الحروب غير التقليدية، حيث تحدثت تقارير مؤخرا عن مواجهة مدن روسية اضطرابا في تلك الأنظمة بعد إطلاق أوكرانيا لهجمات طويلة المدى بطائرات بدون طيار في عمق الأراضي الروسية، الأمر الذي رجح فرضية استعمال هذه الاستراتيجية لإيقاف الطائرات المسيّرة "الدرون" التي تعتمد نظام تحديد المواقع.
ووصفت تقارير ما حدث في المدن الروسية بـ"فقاعات تشويش" لأنظمة تحديد المواقع، غطّت مساحات كبيرة حول تلك المناطق الاستراتيجية مثل ساراتوف وفولغوغراد وبينزا.
ورصدت هذه الاختراقات بواسطة نظام "جي بي إس جام GPSJam"، الذي يتتبع مشكلات نظام الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية.
جميع أنظمة الملاحة القائمة على الأقمار الاصطناعية بما فيها "غلوناس" الروسي و"بايدو" الصيني و"غاليليو" الأوروبي، عرضة للعبث بطرق متنوعة أكثرها شيوعا التشويش بتجاوز إشارات الراديو وجعلها لا تعمل بالشكل المطلوب، والانتحال بتمرير إشارات خاطئة.
ويقول الخبراء في مجال التقنية، إن التشويش يمكن أن يعيق طيران "الدرونز" في مناطق معينة، ويجعل تطبيقات الخرائط غير موثوقة.
وذكر تقرير لموقع مجلة "وايرد" المتخصصة بالتكنولوجيا، أن مئات السفن الحربية قد تعرضت أنظمتها الخاصة بتحديد المواقع للتلاعب منذ عام 2020.
ويمكن أن يتم التحايل على أنظمة تحديد المواقع للتمويه على تحركات ناقلات النفط التي تخضع لعقوبات دولية مثلا.
وخلال العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أشار تقرير لوكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي في مارس الماضي، لتعرض أنظمة الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية للتشويش أو الاحتيال في جميع أنحاء أوكرانيا.
واتهمت الولايات المتحدة روسيا بمحاولة التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي، الأمر الذي حدّ من فاعلية الطائرات الأوكرانية بدون طيار خلال المعارك الدائرة بين موسكو وكييف.
وتشير تحليلات غربية لقدرات الحرب الإلكترونية الروسية امتلاك موسكو لمعدات قادرة على التدخل في نظام تحديد المواقع العالمي، تشمل مركبات مزودة بهوائيات تشويش متطورة، تتيح ميزة الوصول للمناطق التي يرغب المسؤولون في حجب الإشارات عندها أو التدخل فيها.
وفي المقابل، تفيد تقارير بأن شركات الطيران التجارية في الولايات المتحدة أبلغت في السنوات الثمان الماضية عن 90 حادثة تداخل في نظام تحديد المواقع العالمي، العديد منها أرجع لاختبارات عسكرية.
يبدو أننا مقبلون على سباق تسلح إلكتروني خطير تسعى فيه القوى المتصارعة لاستعراض قدراتها في تشويش أنظمة تحديد المواقع وقرصنتها والعبث بها، وخصوصا مع تنامي دور هذه المنظومة لتتجاوز الاستخدامات التقليدية إلى توجيه الأسلحة بدقة ورصد مواقع القوات المعادية ومراقبة خطوط الإمداد اللوجستية بالإضافة إلى العديد من الاستعمالات الأخرى الحساسة.