ساعات قليلة فصلت بين أحداث محورية ثلاثة كان مسرحها العالم العربي، أحداث كبرى وإن تنوعت مجالاتها ما بين السياسة والرياضة والعلم والتكنولوجيا فإنها في مجملها شكلت لحظة استثنائية عربية سيدوم ذكرها وذكراها كثيرا، وقد يكون لها ما بعدها إن أحسن استغلالها وتم التخطيط لديمومتها.

الحدث الأول كان سياسيا بامتياز وإن كان مغلفا في إطار اقتصادي يتكامل مع شقه السياسي ويدعمه ويقويه، والثاني كان رياضيا تحديدا في اللعبة التي يعشقها معظم سكان الكرة الأرضية والتي تتجاوز شعبية لاعبيها شعبية لاعبي أي رياضة أخرى، وبالتأكيد المقصود هنا كرة القدم التي سميت صدقا الساحرة المستديرة نظرا لما تحدثه من مفعول السحر في قلوب وعقول مريديها، الحدث الثالث كان تطلعا للمستقبل عبر استخدام العلم وتطويع التكنولوجيا لخدمة البشرية وفتح آفاق جديدة أمامها.

المفارقة هنا أن الأحداث الثلاثة كانت في 3 أيام متتالية، وفي رقع عربية متلاصقة جغرافيا لا يفصل بيها سوى كيلومترات قليلة.

فيوم الجمعة الماضي استضافت الرياض قمما ثلاث، عربية صينية وخليجية صينية وسعودية صينية، وفي مساء اليوم التالي كانت الدوحة شاهدا على أكبر إنجاز رياضي عربي في كل الرياضات عبر التاريخ بوصول منتخب المغرب للدور نصف النهائي في كأس العالم، وبعدها بساعات قليلة كان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي يشهد من دبي إطلاق المستكشف راشد، في أول مهمة عربية إلى سطح القمر.

إنجازات عربية ثلاثة وفي 3 أيام بدأت من الرياض مرورا بالدوحة وانتهاء بدبي، الملفت في هذه الإنجازات وهنا بيت القصيد، حالة الالتفاف العربي حولها واعتبارها إنجازا عربيا وليس فقط إنجازا سعوديا أو مغربيا أو إماراتيا، كما أنها أثبتت قدرة العرب على الإنجاز لو أرادوا في مجالات عرفت تاريخيا على أنها حكرا على قوى كبرى، إن كان في السياسة وقيادة العالم أو كرة القدم ومركزيتها الأوروبية واللاتينية أو البحث العلمي والتكنولوجيا ومركزيته الغربية.

فاللقطة الأبرز على سبيل المثال في كأس العالم لكرة القدم الذي تجري فعالياته حاليا في العاصمة القطرية كانت الالتفاف العربي غير المسبوق حول منتخب المغرب من قبل كل الجماهير العربية كافة الدول العربية، وفي أماكن تمركز الجاليات العربية في الغرب، وهي الحالة التي لفتت أنظار كثير من المراقبين من غير أبناء جلدتنا، فعلى سبيل المثال كانت نشرة الأخبار في التلفزيون الرسمي الإسباني أول أمس تحتوي فقرة بعنوان "العالم العربي بأكمله يقف وراء منتخب يشعر بأنه منتخبه"، في حين علقت نشرة أخبار في التلفزيون الألماني على فوز المغرب على البرتغال بقولها "العالم العربي بأجمعه ومعه إفريقيا يحتفلون بفوز المنتخب المغربي".

بالتأكيد لم يستشعر العرب فجأة أن هناك روابط عصية على التفكيك تجمعهم ولهذا قرروا اعتبار منتخب المغرب منتخبهم، فهذا ربما لم يحدث بهذا الشكل في نسخ سابقة ومسابقات مماثلة، وحتى في المراحل الأولى من البطولة لم يكن الأمر كما انتهى عليه، لكن في تقديري أن سبب التماهي مع منتخب المغرب وليس فقط تشجيعه مرتبط بحجم الإنجاز الذي وصل إليه والمعنى الكامن خلفه، الذي يتجاوز كرة القدم والرياضة عموما.

فعندما وجد العرب أن من بينهم من يستطيع مناطحة الكبار وحجز مكان بارز في مجالات ظلت لوقت كبير حكرا على غيرهم، تنامى الشعور بالقدرة على الإنجاز، وأننا لا نقل قدرة ولا إمكانيات عن غيرنا في كافة المجالات، وبالتالي أصبحت اللحظة الكروية الحالية لحظة مباهاة عربية جامعة بأننا كعرب ليست لدينا عوامل بنيوية كامنة تمنعنا دائما من الالتحاق بركب الدول المتقدمة، بل إننا نملك ما يؤهلنا للذهاب بعيدا في كافة المجالات.

وإن كانت كرة القدم نظرا لشعبيتها وجماهيريتها هي الأكثر تعبيرا عن هذه الحالة العربية الآنية من الثقة في القدرات والمقدرات على الوصول للمراكز الأولى جنبا بجنب وكتفا بكتف مع القوى الكبرى، فإن ما حدث في الرياض أو في دبي يذهب لنفس المعنى ويؤكد نفس النتيجة، فما شهدته العاصمة السعودية يتفق معظم الباحثون والمحللون والمراقبون على أنه قد يحدث تحولا معتبرا في ميزان العلاقات بين القوى الكبرى، وسيدفع العالم نحو قيادة متعددة الأقطاب ستصبح للدول العربية دورا بارزا فيها، وما حدث في الإمارات يجمع العلماء على أنه إنجاز عربي وإهداء للعلم والعالم، حيث يشكل موقع هبوط المستكشف راشد أهمية كبرى للبشرية جمعاء كونه موقعا لم تصله أي بعثات علمية سابقا.

الخلاصة هنا أن العرب قادرون لو أرادوا على مقارعة الكبار كل في مجاله، وأن شرعية الإنجاز والمنجزات لا الشعارات والهتافات هي الكفيلة وحدها بتفجير المشاعر العربية الوحدوية والتباهي بما نملكه من تشابه في التاريخ أو اللغة أو الثقافة أو العادات والتقاليد والمصير المشترك.

أتمنى في النهاية أن تنتقل هذه اللحظة العربية من حالة الاستثنائية الى حالة من الديمومة والاستمرارية، وهو أمر ليس ببعيد إذا ما أحسنا استغلال مواردنا وقدراتنا ومقدراتنا، وامتلكنا ما يكفي من الإرادة لتحويل الاستثناء إلى قاعدة.