منحت نوبل للسلام في خطوة دالة عام 2013 جائزتها لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة الكيماوية لتأكيد أهمية التخلص من هذا السلاح بالغ الأذى منذ بداية الاستخدام الممنهج للغازات الحربية أثناء الحرب العالمية الأولى، والتي أدت إلى خسائر في الأرواح بلغت 100 ألف قتيل وأعدادًا ضخمة من المصابين، ظل بعضهم يعانون طيلة حياتهم من آثار التعرض للسلاح الكيماوي.
في أعقاب هذه الحرب، هب العقلاء للتصدي لهذا السلاح الجهنمي، وبالفعل أسفرت الجهود المضنية التي بذلت لوقف أضرار هذا السلاح الفتاك عن خروج معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية إلى النور بهدف منع استخدام الأسلحة الكيماوية وإنتاجها وتخزينها ونقلها، مع اعتبار أي مادة كيميائية مستخدمة لأغراض الحرب عملا غير مشروع، وتلزم المعاهدة الدول الأعضاء (193 دولة) بتطبيق هذا الحظر وتدمير الأسلحة الكيميائية الموجودة لديها، حيث تشرف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) على عمليات التدمير.
من المعروف أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت سباقة بالانضمام للمعاهدة، حيث وقعتها في فبراير 1993، وأعقبت ذلك بالتصديق عليها في الثامن والعشرين من نوفمبر 2000، لتصبح الاتفاقية نافذة اعتبارا من 28 ديسمبر في نفس العام.
ومع التزام دول منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أصبح 98 بالمئة من سكان العالم تحت حماية الاتفاقية، كما تم التحقق من تدمير 99 بالمئة من مخزونات الأسلحة الكيميائية التي أعلنت عنها الدول الحائزة.
في الأزمنة القديمة، كان مفهوم السلاح ينحصر معناه فيما يمسك به المحاربون في مواجهة بعضهم البعض؛ كالبلطة والسكين والسيف والرمح، وفي المراحل الأخيرة من المعارك الحديثة، ينشأ ما يُعرَف بالقتال المتلاحم، وفيه تستخدم الأسلحة البيضاء؛ كالسونكي والخنجر، لكن التطور الذي حل على الأسلحة مع تطور التكنولوجيا أحدث نقلة مؤلمة في أدوات الحرب جعلت من الكيمياء أحد أسلحتها.
هكذا اعتبارا من الحرب العالمية الأولى، أظهرت البشرية إحدى نقائصها المتمثلة في إيذاء الخصم والقضاء عليه مهما بلغت خسة الأسلوب المستخدم، فلم يكُن أحد يتصور وقتها أنه يمكن اللجوء إلى المواد الكيماوية الضارة للقضاء على الجنود في ميادين القتال، ومن بعدها تمادى العقل الشيطاني وانتقل مِن الكيمياء إلى البيولوجيا، وأخيرًا استخدام التفاعل النووي، وهذه الأنواع الثلاث التي استحدثتها عقول الشر هي ما أصبح يصطلح عليه بأسلحة الدمار الشامل.
يتكون السلاح الكيماوي من نوعين؛ هما الغازات الحربية والمواد الحارقة، وتتلخص وظائفهما في الآتي:
تتنوع الغازات الحربية حسب تأثيرها الفيسيولوجي، حيث تنقسم إلى أنواع عديدة؛ مثل الغازات الخانقة، ولها فترة كمون، بمعنى أن تأثيرها يبدأ بعد فترة من 3 إلى 4 ساعة، وتؤثر بشدةٍ على الجهاز التنفسي ومنها (الكلوروميثيل كلوروفورميت - الفوسجين)، غازات مسيلة للدموع تتسبب في تهييج أعصاب العين ومنها (إيثيل بروموأسيتيت)، غازات مسممات الدم، وهي تسلب من الدم قدرته على امتصاص الأكسجين، مما يمنع وصوله إلى الأنسجة الحيوية والوفاة ومنها (سيانيد الهيدروجين)، غازات التقيؤ التي تسبب تهيج الأغشية المخاطية والحنجرة ومنها (ثنائي فنيل سيانوأرسين)، غازات مسببات القروح التي يستمر بقاؤها على الأرض مدة طويلة لأنها ذات خاصية زيتية تسبب حروقا للجلد وتقيحات وفقاعات مائية ومنها (ثنائي بروموإثيل سلفيد - الخردل)، غازات الأعصاب تؤدي إلى انقباض العضلات وضيق التنفس والشلل ومنها (التابون – السارين).
أما المواد الحارقة، فهي مركبات كيماوية تتصف بأنها تنتج كمية نيران كبيرة ذات درجة حرارة مرتفعة جدا يصعب إطفاؤها، ولها قدرة على الانتشار في محيط إطلاقها، وهذه المواد من الممكن أن تكون ذات طبيعة صلبة ومنها (الفوسفور الأبيض – الثرميت)، ومواد سائلة منها (النابالم – الخليط البترولي غير المغلظ)، وأخيرا خليط من مواد صلبة وسائلة (مزيج من مواد معدنية وبترولية مثل البيروجيل). ويؤدي استخدام هذه المواد الحارقة إلى تشويه الجسم البشري واحتراقه أحيانا، لدرجة التفحم، وبالطبع تؤدي الحروق الشديدة إلى الوفاة، وبالمثل تتسبب في احتراق الكائنات الحية مِن نبات وحيوان، وتطلق الغازات الحربية والمواد الحارقة باستخدام دانات المدفعية والصواريخ وقنابل الطائرات وبعض أنواع القنابل اليدوية، وهناك وسيلة واحدة تنفرد بها المواد الحارقة هي قاذفات اللهب الفردية والميكانيكية.
للوقاية من الأسلحة الكيميائية، ترتدي القوات حال التعرض لها الأقنعة الواقية التي تمنع استنشاق الغازات الحربية، وفي حالة عدم توفر الأقنعة يمكن استخدام قطعة من القماش مبللة بالنشادر أو كربونات الصوديوم، كما يتم تغطية الجسم والملابس بأردية وأحذية من مواد خاصة تحمي الأجسام من التأثيرات الضارة للغازات والمواد والحارقة، كما يجب تجنب تناول الأطعمة أو شرب الماء في المناطق التي تعرضت للغازات، وإذا أصيب الجلد بها تغسل المواضع المصابة فورا بالماء الحار والصابون إلى أن يتم الإخلاء لمناطق التطهير والعلاج.
في الدورة العشرين لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، تقرر اعتبار الثلاثين من نوفمبر يوما سنويا لإحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيماوية، وكتب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أن "يوم ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية هو مناسبة لتكريم ضحايا هذه الأسلحة اللاإنسانية وتقييم التقدم الذي تحقق في منع أي استخدام لها في المستقبل.. لنكرّم ضحايا الحرب الكيميائية بالتعهد بطي صفحة استخدام هذه الأسلحة المروعة إلى الأبد".