ينتظر اللبنانيون بقلق مرحلة ما بعد عهد الرئيس ميشال عون. يخيفهم الفراغ، وتخيفهم أكثر الخلافات الظاهرة وربما الشكلية بين مهندسي هذا الفراغ.
وربما أكثر ما يخيفهم هو "القدرة العونية" على التدمير الشامل لكل ما يقف في وجه طموح أصحابها.
وتحديدا إذا ما توغلوا في التحليل القائم على قراءة التاريخ منذ تحول عون إلى حالة مستعصية على التشخيص لدى تسلّمه رئاسة الحكومة الانتقالية 1988 ما قبل اتفاق الطائف.
أو حتى قبل ذلك، إذا ما نظروا إلى تاريخ عون، منذ بدايات الحرب اللبنانية وبداياته عندما كان ضابطا في الجيش اللبناني، وفي الوقت ذاته منخرطا في إحدى الخلايا الأمنية للرئيس الراحل بشير الجميل تحت اسم حركي هو "رعد"، ومنذ وقوفه مبتسما وحالما بأعلى المراكز مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، أبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان.. ومنذ توليه قيادة اللواء الثامن، ومنذ إدارته معركة سوق الغرب بمواجهة الحزب التقدمي الاشتراكي وبقايا منظمة التحرير، ومنذ تمرده على قائد الجيش، آنذاك، العماد إبراهيم طنوس، ومخالفته إياه، وتشكليه خلية من الضباط المؤتمرين بأمره وليس بأوامر القيادة، ومنذ تجاوز القوانين وتطويع الدستور لترقيته ومنحه الرتب التي تسمح بإسناد قيادة الجيش إليه عام 1984، ومنذ تمرسه في قصر بعبدا مع أنه كان رئيسا لحكومة انتقالية، وليس رئيسا للجمهورية، وقيادة حربين مدمرتين ضد القوات السورية وضد القوات اللبنانية ونسفه المؤسسات واختصارها بشخصه والتصرف بأموال الدولة وكأنها ماله الخاص.
وبعد ذلك، فراره من قصر بعبدا إلى السفارة الفرنسية، ومن ثم "النضال" من منفاه المرفه والأنيق ليكسر هيمنة الوصاية السورية على لبنان، مرورا بعودته وفق اتفاق من تحت الطاولة مع هذه الوصاية، كما كانت تبين تصريحات ممثلي الوصاية في لبنان لجهة تبييض صفحته، عشية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولا إلى اتفاقه من خلال تفاهم "مار مخايل" مع "حزب الله" وتطبيق الأجندة الإيرانية في لبنان، وسلخ لبنان عن محيطه العربي وعن الشرعية الدولية، وتعطيل الدستور لنيله مبتغاه وفرضه رئيسا للجمهورية، كثمن لكل ما قدمه ولمساهمته بمصادرة سيادة لبنان، وتحويل بيروت عاصمة من عواصم إيران في المنطقة.
ومصدر الخوف لم يعد يقتصر على شخص الجنرال الحاضر ليحرق "شعبه العظيم" ويحوله وقودا لمشروعه، بل يتجاوزه إلى إصراره على توريث صهره جبران باسيل كرسي الرئاسة، مستخدما الآليات التعطيلية ذاتها التي استخدمها سابقا، وهذه المرة بدعم مباشر ومتواصل من "حزب الله"، الذي لا يزال يحتضن جبران وتطرف مواقفه، والذي لا يجد مانعا من تكرار تجربة العم لصالح الصهر، كون هذا الأخير يملك مواصفات تلبي الرؤية الإيرانية، أكثر مما لدى حليف الحزب الأعرق سليمان فرنجية.
ومن يحلم بالرئاسة، يحتاج إلى هذه المواصفات. فهي وحدها تحسم اختيار رئيس للجمهورية، وهي لا تتعلق فقط بقبول تنفيذ الأجندة الإيرانية، فكثيرون هم الذين تتوفر لديهم الجهوزية والاستعداد ينتظرون دورهم، حتى لو كان بعضهم يعلن عكس ما يضمر.
الحزب يعرف ذلك.. ويعرف أكثر من غيره أن "المقاييس العونية" منذ ما قبل اتفاق الطائف إلى ما بعد نهاية العهد هي المطلوبة وفق الأجندة الإيرانية، لذا لا يزال متمهلا في الإعلان عن مرشحه.
ولعل هذا ما يخيف اللبنانيين الذين يتوجسون ليس فقط من الفراغ والخلافات الظاهرة وربما الشكلية بين مهندسي هذا الفراغ، ولكن من خفايا صفقة ترسيم الحدود بمباركة أميركية/إيرانية، والأثمان التي سيحصل عليها الحزب جراء دفاعه عنها.
وقد يكون أحد هذه الأثمان اختلاق الأحداث والظروف الداخلية التخريبية التي تقنع الغرب بطيِّ صفحة العقوبات على جبران، الذي لا يتواضع في عرضه لمزاياه المطابقة لهذه المقاييس، ويتصرف بثقة وإيمان من يشعر أنه المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية، عندما تنضج التسويات، ليصبح العهد الباسيلي هو الباب الوحيد للخروج من العهد العوني. وما خلَّفه من فراغ.