تتجه الهند إلى تفعيل نظامها الوطني (نافيك NavIC) لخرائط الملاحة بالأقمار الصناعية، لتلحق بالصين وروسيا وأوروبا وقبلهم الولايات المتحدة، في تحرك ينذر بضرورة استقلال دول أخرى أو مجموعات دول في أنظمتها الوطنية والإقليمية الخاصة خشية قطع خدمة الخرائط عنها إذا استجد خلاف أو تقرر ابتزازها.

في فييتنام، كانت تعليمات الاستدلال على الاتجاهات بسيطة في دليل الاستطلاع للجنود الأميركان باستخدام ساعة اليد، وتوصي بمساواة عقرب الساعات باتجاه الشمس، ثم رسم خط المنتصف بينه وبين موضع الساعة 12 لاكتشاف اتجاه الجنوب.

في وقتنا الحالي، يوجد جانب تجاري ينفق على الجانب العسكري في كل أنظمة الخرائط الوطنية، سواءً في نظام GPS الأميركي، أو غاليليو الأوروبي، أو غلوناس الروسي، أو بايدو الصيني، والآن نافيك الهندي. بين الحلفاء نظام مكاشفة يضمن الربح المتبادل مدنياً والإطلاع المتبادل عسكرياً، ويحجب ما يراد حجبه ويتم تأمينه ضد اختراقات المتسللين، ويتاح الجانب الخدمي أو الإغاثي لأسباب إنسانية وتكريساً للمعاملة بالمثل.

عند نشوب صراعات أو حروب اقتصادية أو عسكرية تتم المساومة على حجب المعلومات أو مشاركتها، وعلى وكالات الفضاء الناشئة في دول المنطقة، ومجموعات الأقمار التي أطلقتها أو تعتزم إطلاقها، أن تفعّل خدمة خرائط مدنية وعسكرية لتأمين الملاحة البرية والبحرية والجوية لكافة أساطيل وسائل المواصلات، تحوطاً للحجب الوارد أو التخريب المتبادل بين دول الأنظمة الملاحية الشائعة، لأن ما بين تلك الدول قد يتطور في الظروف الجيوسياسية المحتقنة حالياً ومستقبلاً ليبلغ حد التشويش على البث الحي للمواقع والمسارات الملاحية، بل حتى تدمير الأقمار الصناعية أو إخراجها من المدار والخدمة.

بمقدور الخصم، أو الخصوم في خضم تصارعهم، أن يشكلوا نقاطاً عمياء متبادلة تتسبب في ضياع أو حرف مسار صادرات أو واردات الدول الأخرى المحايدة أو المساندة لطرف دون آخر، رغبةً في تشكيل ضغط أو تصفية حساب. لذا بات لزاماً على الدول المقتدرة أن تؤمن مساراتها الملاحية، وأن تمتلك خرائطها وأنظمة بياناتها، تماماً مثلما تمتلك حق السيادة التوبوغرافية على حدودها وتضاريسها الطبيعية والسياسية.

المسارعة في تلبية المتطلبات التقنية ضرورية بقدر وجوب مواكبتها لإبرام الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف لمنع استهداف الأنظمة وقواعد بياناتها والتقنيات الداعمة لها بالاختراق أو التخريب المباشر.

تنطوي عمليات تصنيع وإطلاق الأقمار على صفقات مليارية هي بحد ذاتها مجال للمساومة، ودول المنطقة قادرة على موازنة معسكري أنظمة الملاحة بصنع أقمارها محليا ودوليا وإطلاقها بالتساوي على صواريخ ومن منصات شرقية وغربية، من باب إرضاء المعسكرين، وليكون النظام المشغل بالاشتراك مع أحدهما بديل طوارئ في حال منع الآخر الاستفادة الكاملة أو الجزئية أو المؤقتة من النظام الذي تم إطلاقه بمعونته.