من الصفات التي يتعمد الصنّاع إضفاءها على المنتجات الإلكترونية والميكانيكية صفة التقادم المبرمج programmed obsolescence، مفهومه الاهتراء والتفكك المخطط له، ويتم إشراك منتجي الأجزاء من خارج الشركات أو المصانع في اتخاذ قرار تحديد العمر الافتراضي المطلوب لتعالج القطع والمكونات المطلوبة لإطالة أو تقصير العمر حسب الرغبة. يحدث هذا أيضا في الصراعات الجيو-استراتيجية.

التقادم المخطط يتسبب في زيادة الاستهلاك وزيادة النفايات والتلوث، ويؤثر على اعتمادية الاستخدام لدى المستهلك وميزانيته التجارية أو المنزلية.

بالمثل، إذا نفدت جدوى المناهج المزمنة المطبقة سياسيا واقتصاديا على المستوى الوطني لدولة كبرى أو تكتل من الدول، أو بينهما وبين دول وتكتلات أخرى، تبدأ المراجعات السرية من قبل دوائر القرار العليا، والتمهيد للاستفزاز التصاعدي المزمن تجنبا للتحرك المفاجئ والكبير الذي يفسر غالبا كإعلان حرب من فئة ما، مع ما يترتب على التمهيد والتنفيذ من أعباء وأضرار.

أبرمت اتفاقات الحد من انتشار السلاح النووي بين روسيا والولايات المتحدة، لكن في الخفاء استمر الطرفان في تطوير كل جزء من عملية تسليح وإطلاق الصواريخ حتى اجتازت مرحلة الفوق-صوتية إلى الفرط-صوتية. كان هذا التطوير السري لوسائل إيصال الضربات النووية بسرعة فائقة هو العامل الخفي الذي أتلف الاتفاقات السابقة بإشعال سباق تسلح ظهر مؤخرا للعيان.

الملف النووي الإيراني منذ عهد أوباما وإلى الآن مر بمرحلة مراجعة واقعية وإلغاء في عهد ترامب، ليلتقطه بايدن الآن، رغم معرفة الحزبين والرؤساء المنتمين إليهما أن الاتفاق مصمم لينهار، خاصة مع تقدم الصين البراغماتي للاستحواذ على السوق الإيرانية لربع قرن من الآن، فيما كانت الإدارات الأميركية ومعها الحكومات الأوروبية الرئيسية تنتظر إذعانا أو انقلابا بحكم بديل لفتح تلك السوق أمام منتجاتهم وخدماتهم بصوة رسمية ومكثفة، عدا عن تقارب الأهداف الروسو-إيرانية في سوريا، وأيضا لتزويد طهران لموسكو بدرونات جوية بسيطة للضربات المفخخة على أهداف لا يتطلب تدميرها أحدث الطرازات الروسية.

أنابيب نوردستريم 1 و 2 تعرضت أيضا للإعطاب المخطط، سواءً – وفق نظريات المؤامرة – نفذه بايدن الذي هدد صراحة بذلك قبيل نشوب القتال في أوكرانيا، أو نفذه بوتين لبيع الغاز إلى الصين باليوان دعما لأمن طاقة الحليف الأكبر وتقوية للروبل المسعر به، وقد كان المخزون ذاته مخصصا لأوروبا وقاطعته الأخيرة مساومة لصالح أوكرانيا ولإرضاء الحليف الأميركي.

هذه نماذج لسياسات دول وتكتلات كبرى في عالمنا، وتخطيط المصالح المستقبلية للدول العربية وكذلك الإفريقية يجب أن يراعي حقيقة مفادها أن كل اتفاق أو خلاف يقع في العالم يحدث بالتزامن مع نقيضه، فالحرب تنشب ويخطط للسلام في أتونها، والسلام يبرم ومفاتيح نقضه يخطط لها فور توقيعه، وأن التعاون الاقتصادي في الطاقة والغذاء والدواء والتكنولوجيا وغيرها يُتفق عليه وفي النية إيجاد بدائل بعروض أفضل وأنفع للمصالح الوطنية ومتعددة الأطراف، والكل يضمر الإبتزاز ويسعى للتحصين الذاتي ضده.