أوجد الصعود الهائل لمنصات التواصل الاجتماعي خلال العقد الأخير مفهوم الغزو الرقمي الذي طال كل تعاملاتنا الاجتماعية وهواياتنا واختياراتنا وأهواءنا مستفيدا من الاستخدام المتفاعل للمتابعين مع شبكة الإنترنت فتخصّص في ثني المجتمعات العربية عن متابعة الإعلام التقليدي ككل كالتلفزيون والإذاعة والصحف والمجلات لصالح منصات التواصل.
وتم اختصار أو تحوير مضامينها ومحتوياتها على النحو الذي يتناسب مع الخصوصية التي تتمز بها هذه المنصات التي شكّلت مع التطور التكنولوجي الهائل المساحات الأكثر جذبا للمتابعين لا سيما الفئة الشابة من مجتمعاتنا العربية.
صحيح أن الأزمات المالية التي عصفت بكل السوق الإعلامي العربي بعد العام 2009 كانت السبب الرئيسي في تراجع وإقفال وغياب عدد من وسائل الإعلام التقليدية في عالمنا العربي إلا أن الوعي بأهمية التفاعل الرقمي كمستقبل حتمي لكل مفهوم التواصل بنى الجسر الأخير الذي عبر من خلاله الجمهور من مرحلة متابعة تقليدية إلى مرحلة دينامية وتفاعلية توفر له مساحة الإدلاء برأيه والمشاركة الفعالة مع توفير مساحات نقاش تتصف بالجاذبية.
كل الإعلام التقليدي تأثر، غير أن الصرخة الأوضح برأي الباحث كانت تلك الباحثة عن الصحافة الفنية التي شكل اختفاؤها علامة خطيرة عن غياب السند الأساسي لأهل الفن والمتنفس الوحيد لمتذوقي المشاهد الثقافية والأخطر من ذلك كله أن هذا الاختفاء أضرّ بلذة البحث لدى القراء وحوّل المحتوى الصحافي الفني من عامل حافل بالمفاجآت وتلهف الصدور إلى مادة سهلة ومكررة من شأن الصورة فيها أن تكون اختصارا لصفحات عديدة كان الجمهور حريصا على انتظارها ومتابعتها أسبوعيا أو شهريا أو حتى فصليا.
تجسّد ذلك الاختفاء بوقوع الصفحات الفنية في الصحف العربية أولى ضحايا التقشف الإعلامي المالي لصالح المادة السياسية على اعتبار أن المواقع الإلكترونية بداية تفي بالغرض وصولا فيما بعد إلى مرحلة منصات التواصل التي سرقت الألق أيضا من المواقع لتكون الوسيلة المتبقية أمام أهل الفن للإطلالة على جماهيرهم بعدما انتفت أي حاجة لتوسيع مروحة العلاقات مع الصحافة الفنية المتراجعة.
تغريدة الفنان وصوره ومنشوراته غدت هي الخبر فيما تحولت حساباته الرسمية على الشبكة العنكبوتية هي المصدر الوحيد الذي يصعب إحاطته بالتحليل والإطالة بالمقابلات وطرح التساؤلات وغيرها من الأدوات التي كانت الصحافة الفنية العربية تعتمدها في تناولها لأخبار أهل الفن والمشاهير.
وهنا يمكن القول إن الفن بات مقتصرا على الفعاليات والخبر الجاف الذي لا يمكن سوى نشره مع عنوان جاذب وبرّاق في أحسن الأحوال.
أمام هذه المشهدية المتراجعة في الوهج وشغف التحليل واتجاهات الجمهور إلى الساحة الرقمية اختفت من أكشاك الصحافة والأسواق المجلات الفنية الواحدة تلو أخرى ورسمت علامات الاستفهام والتعجب الكثيرة حول نهاية حقبة ذهبية من عمر الصحافة العربية المتخصصة.
زاوية هامة جاءت في محاولة للإجابة عن التساؤلات التي لم يسمح الزمن الصحفي الرقمي المتسارع بالإضاءة عليها كما يجب مع تبيان الأسباب والآثار وتوسيع واقع الخبر الفني ومحاولة استشراف مستقبل الصحافة الفنية في ظل منصات التواصل الاجتماعي وموجة تصاعدها وتطورها وتوسعها وضخامة انتشارها.
وأكثر ما يؤسف هنا الخلط الحاصل في توصيف عمل منصات التواصل الاجتماعي مع الخبر الفني حيث يدأب كثيرون على تسميتهم لهذه الآلية بالصحافة الفنية في حين أن نقل أخبار أهل الفن من حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل لا يتلاءم مع معايير العمل الصحفي الفني الذي كان القارئ العربي متذوقا له.
ولعل المشكلة الجوهرية التي تبقي على وصف غياب الصحافة الفنية العربية بالمدهش، التركيز على العامل المادي المتداعي لوسائل الإعلام التقليدية والوعي بأهمية التواصل الرقمي وغيرها من الأسباب التي تفرد مساحة كبيرة للتبرير ولكنها لا تراعي في زوايا النقاش الخصوصية التي تكتسبها الصحافة الفنية والتميز الذي يفرّق متابعيها.