لطالما اعتمد التنين الصيني في علاقاته بالدول العربية على مبدأ دبلوماسي يتمثل في تعزيز الصداقة والشراكة الاقتصادية الهادفة، حيث اللّاعداءُ والحياد ركيزتان تسمحان له ببقاء أسواق الشرق الأوسط مفتوحة أمامه لتصدير إنتاجاته.

وتجلى أول مظاهر هذه العلاقة في اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية عام 1956، قبل أن تلحق بها العراق عام 1958، لتشمل هذه السلسلة من العلاقات العديد من الدول العربية بين العامين 1990 و1992، حيث أصبحت الصين اليوم شريكًا استراتيجيًا للعديد من دول الشرق الأوسط، وذلك على أثر إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 عن مبادرة الحزام والطريق التي تعتبر شبكة من الشراكات والمشاريع حيث يُعتبر الشرق الأوسط المصدر الرئيسي للنفط الخام للصين.

ومع ذلك، ونظرًا للتحديات الجيوسياسية، تبقى الصين على مسافة أمان وبعيدة عن التجاذبات السياسية في الدول العربية التي تشهد اضطرابات أمنية، وتعتبر الحياد خيرًا من شرّ الاصطفافات التي تُفقدها ثقلها الاقتصادي الذي حاولت تفعيله وبناءه لسنوات عبر سلسلة تفاهمات مع دول الخليج العربي أبرزها في العام 2010 خلال المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي. حيث تمّ الاتفاق على زيادة التعاون في المواضيع التالية: الطاقة النووية، الأقمار الصناعية الفضائية ومصادر الطاقة البديلة. واستكمل الرئيس الصيني سعيه في تحسين شبكة علاقاته بالمحيط العربي إذ شكلت الحكومة الصينية لجنة رفيعة المستوى في يناير 2016 لتوجيه وتنسيق التعاون الثنائي مع المملكة العربية السعودية، وزيارة الإمارات العربية عام 2018.

وبذلك نجد أن الصين تنظر إلى العمل مع القوى العالمية الكبرى في الشرق الأوسط تبعًا لمبادئها الخمسة المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة والعيش السلمي.

وهذا ما لم تتبعه يومًا الإدارة الأميركية الخارجية التي لا تنفك عن حصار الدول الفقيرة والمصنفة في خانة العالم الثالث، حيث تدفعها نحو الاستدانة من البنك الدولي مقابل فوائد ضخمة يستحيل سدادها بهدف إجبارها على تنفيذ سياستها وخدمة مصالحها. فعلى الرغم من أن أميركا أصبحت أقل انخراطا في الشرق الأوسط وأنها تعطي الأولوية الاستراتيجية لمنطقة المحيط الهادئ والهندي، فإنّ التمدد المالي والاقتصادي للصين في منطقة الشرق الأوسط سيحتم على الولايات المتحدة ضرورة إعادة النظر وتوطيد علاقاتها مع حلفائها الرئيسيين، والحفاظ على أدوارها في المنطقة دون السماح لمزيد من الفراغات التي تَسلل إليها النفوذ الصيني وأبعاده الاستراتيجية.

وترى الصين، وفقًا للعديد من الدراسات والوثائق، أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة هو السيطرة على موارد النفط، وتجسد ذلك في غزو العراق واحتلال أفغانستان وليبيا والوجود العسكري المكثف في الخليج العربي، أي أن الصين مُدركة أن هذه السيطرة تعني قدرة أميركا على التحكم في هذا المصدر الخام الذي تتزايد الحاجة الصينية له، وهو ما قد تستثمره الولايات المتحدة في حالة وقوع أي مواجهة أميركية صينية محتملة.

ولعل هذه المواجهة المتوقعة هي التي تفسر موقف الصين من عدم التفريط في إيران وسوريا، لأن سقوط هاتين الدولتين يعني خسارة الصين المجال الحيوي الذي يوفرانه إلى جانب تعرض 80% من واردات الصين النفطية التي تمرّ من الشرق الأوسط عبر الممرات البحرية للخطر.