في 2016 زاملتني في إحدى الوظائف شابة أميركية كانت كلما سألها أميركي أو غربي مع من هي تخبره أنها رشحت هيلاري كلينتون، لكنها خلسة أهدتني كوب قهوة عليه صورة دونالد ترامب وشعار MAGA، وكانت تلك أول تجربة لي مع (الشعب العميق)، إن جازت التسمية.
حتى في اتصال سكايب، كانت تعلق على الجدار خلفها ملصقا كبيرا لهيلاري وتحته عبارة "أنا معها I am with her"، إلا أن لقائي الأخير بها على هامش مؤتمر وإهدائها كوب ترامب لي مع ابتسامة صفراء فتحا مداركي على كيفية انتقال الأغلبية الصامتة إلى القبو حتى ساعة الصفر، أو going underground كما تقول الأوصاف الاستخباراتية.
كان الشارع الأوبامي نشطا في تسمية الآخر والتعريض به بكل وسيلة ممكنة، وبنظرة رجعية يمكن رسم تخطيط قلب الساحة الشعبية، بارتفاع شعبوية اليمين المحافظ لاحقا كلما تطرف اليسار الليبرالي.
شرحت لي الزميلة بأن تحفظات قومها تنبع من تحول دور قدر الذوبان الأميركي إلى مكب لنفايات ثقافية وممارسات يراها أميركيون كثر بأنها ليست من ضمن التعددية الثقافية والعرقية المقبولة والمعتد بها وطنيا، وإنما محاولة لصبغ المجتمع بما ليس بالضرورة من صفاته وطباعه، وأن جمهور الأقليات التابع لليسار يربط التصويت له بشرط الاعتراف بكل انتماء أو حق في الاختيار مهما سخف أو استعجب أو اشمأزت منه الأغلبية.
فاليمين لن يسكت على الإرهاب الاجتماعي بحجة استحقاق المنفتحين على كل شيء وأي شيء مقابل رجوح كفة إرادة اليمين المزمنة.
مرحلة الكمون والنفاق الهادئ الذي اتبعه المحافظون انطلت على اليسار إلى الحد الذي نذكر معه كيف قفزت وسائل إعلام عتيدة إلى استنتاج فوز هيلاري، حتى اختزلت صدمتهم في لحظة إجهاش مذيعة أخبار mcnbc رايتشيل ماداو بالبكاء عند ورود النتائج النهائية وإعلان فوز ترامب، وكانت من أشد الداعمين لهيلاري.
ربما كلف الاستخفاف بانتشار فيروس كوفيد ترامب الرئاسة، بالتضافر مع ما حاول اليسار إلصاقه به من عنصرية وبشاعة مقتل جورج فلويد، ولم يرحم ترامب نفسه بالتصفيق لمقتحمي الكونغرس ولا بسابقته في تهريب وثائق رئاسية إلى منزله، لكن أسباب كمون اليمين وانفجاره تزداد سوءا وتطرفا، وقد ينتج عنها ما يجعل كوب ترامب المهدى لي ذات صباح من يمينية متخفية تذكارا مؤلما لمآلات شعب ودولة لهما السبق والريادة في كثير من أجمل وأهم مجالات الحياة.