استبق الرئيس الأميركي جو بايدن جولته الشرق أوسطية بمتابعة أول صورة ملونة لأعمق نقطة في الكون تكشف الانفجار الكبير الذي وقع قبل 13 مليار عام، التُقطت في ضوء الأشعة تحت الحمراء بواسطة تليسكوب "جيمس ويب" الفضائي الجديد التابع لوكالة ناسا.
بايدن أراد إبهار العالم بهذه الصور وإظهار التفوق، وكأن الولايات المتحدة تريد تذكير من يجب تذكيره بكونها القوة العظمى الأوحد بعد انتصارها على الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي، الذي شهد "حرب النجوم" عندما كان الفضاء إحدى ساحات المنافسة الرئيسية بين القوتين اللتين كانتا تتحكمان بالأرض والفضاء.
أو ربما اعتقد هو وإدارته أن من سوف يلتقيهم سيبصمون على ما يقترحه فقط لذهولهم بما استطاعت عدسة التليسكوب إثارته عن أسرار الفضاء اللامتناهي.
لكن اليوم غير الأمس، والانفجار الكبير الذي يهدد الأرض بالحروب والأوبئة باتت له الأولوية بعدما اتخذ الصراع بين القوى العالمية أوجها أخرى متعددة.
نسي بايدن أن التحالفات لم تعد تحكمها القيم والمبادئ التي أنتجتها القرون الماضية، كأن هناك ممحاة ضخمة وهائلة، لا تختلف في مفاعيلها عن الانفجار الكبير الذي صنع تاريخ الكون، محت ما سبق لتحضّرَ لما سيأتي وفق مقاييس أساسها الاقتصاد والمصالح.
لذا تغير مفهوم العدو والصديق، والأهم، تغير مفهوم القوة، فاليوم تنبت قوى "مشاغبة" تهدد السلام العالمي، أو ربما هناك تضخيم لمدى قدرتها على تهديد السلام العالمي لغايات في نفس من يروّج لها، ليس بمقومات عسكرية واقتصادية فعالة توازي ما لدى الدولة الأميركية، ولكن بتمكنها من الوصول إلى إمكانية إنتاج للقنبلة النووية، كما هي الحال مع كوريا الشمالية وإيران وغيرهما من الدول النامية.
وهذه المحاور بمستوياتها المتفاوتة، تحوّل السياسة العالمية إلى لعبة خطرة، لا يمكن توقع مساراتها ونهاياتها، كأن بطن الكرة الأرضية يغلي، ولا نعرف أين سينفجر غليانه، وعلى البشر أن يحاذروا خطواتهم حتى لا يدوسوا نقطة ضعيفة في قشرة الأرض.
أو عليهم أن يقلبوا الموازين التي عرضها فيلم الكوميديا السوداء "دونت لوك أب"، حيث كان الخطر الذي يهدد البشرية نيزكا عملاقا يسقط من الفضاء، أما في العالم الواقعي، فإن النظر إلى الأعلى وفق تليسكوب جميس ويب هو أشبه بدعوة للهروب من هذه الأرض المهددة بالانفجار الكبير لعوامل في ذاتها وليس من خارجها.
أو هو محاولة تضليلية لتجاهل الموت المحتم المقبل من خلال جذب الانتباه إلى الأعلى، وتأمل بدائع انفجار كبير آخر حصل قبل 12 مليار عام، وترك لنا هذه الصور الخلابة التي تقطع الأنفاس.
لكن المطلوب ألا ننظر إلى الأعلى قبل ترتيب ما يحصل على الأرض، وما يحصل هو فوضى عارمة، جرى الترويج لها على أنها منظمة، ربما بسبب السياسات القائمة على فائض القوة التخريبية لإيران وأذرعها في المنطقة، من جهة.
ومن جهة أخرى، الاتكال على أن البعد الجغرافي عن محاور الأحداث ومكامن التعقيدات كفيل بحماية القارة الأميركية، حتى كانت الصدمة مع اختلال العالم بأسره، بفعل فيروس "كورونا" وحرب روسيا وأوكرانيا وتداعياتها، حتى على الاقتصاد الأميركي.
من هنا، تبدو الحاجة إلى المواجهة والتصويب وليس الهروب، وذلك لتصحيح الخلل وتجنب هذا التصادم بين الدول مع انفجار أمانها بسبب الطموح وسوء الإدارة.
وبالطبع، لا تحتاج هذه المواجهة مزيدا من الحروب والتحالفات العسكرية الاستفزازية، كالدعوة إلى تحالفات تفاقم التوتر في المنطقة، فالمطلوب حماية مصالح الدول العربية بالحكمة، والابتعاد عن كل ما يدفع الى مواجهة أو حرب في المنطقة ضد أي دولة.
ربما ينبغي على بايدن أن يستخدم تليسكوب جيمس ويب لتغيير الزاوية والبحث أكثر ومعرفة الرؤى العربية كلها إلى أين ستتجه.
حينها، ربما يستهل هو أو غيره زيارة المنطقة بمعطيات لها علاقة بتجنيب الأرض نيازك السياسات العشوائية التي تحرمها حقوقها وأمانها.