يحتفل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية خلال زيارته لبنان، ليس لأنه نجح في تحرير القدس، ولكن لأنه يعيش أمجاد "زمن الانتصارات"، التي نظمها "حزب الله" للترحيب له.
ولا يلام الرجل، الذي قرر ان يرهن القضية الفلسطينية بما يخدم محور إيران في المنطقة، حتى لو دفع الفلسطينيون واللبنانيون ثمن هذه الخدمة.
فالحفاوة التي تحيط بزيارته، لم ولن يشهد مثيلا لها في أي من الدول التي يزورها.
حتى في غزة لن يجد من يحشد له الجماهير وينظم له اللقاءات، أينما حل معززا ومكرما منذ هبطت به الطائرة في مطار بيروت وفتح له صالون الشرف، وتنقل آمنا مطمئنا من معاقل الحزب، مرورا بلقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، وليس انتهاء بالعرس الوطني لفلسطيني الشتات في ملعب رياضي على تخوم عين الحلوة في مدينة صيدا تحت شعار "ونراه قريبا"، وسط إجراءات أمنية استثنائية ومشددة اتخذتها القوى الأمنية اللبنانية في محيط المكان، ووسط حضور سياسي لبناني – فلسطيني تم استدعاءه بفتوى مسنودة إلى ولاية الفقيه، وبالطبع مع مقاطعة "فتح" وفصائل منظمة التحرير.
بالتالي، ليس مهما ما وعد هنية برؤيته قريبا، المهم أنه هز الوجدان، اعتمر الكوفية ورفع علم فلسطين وقال إن قلبه ينشرح عندما يزور مخيم "عين الحلوة".
وشرع بتسويق الأوهام والأضاليل عن انتصارات غير قابلة للصرف ولا للتحول إلى حقائق ووقائع في المستقبل المنظور.
وأغرق الجمهور الحاضر للتصفيق بفيض من الشعارات التي ترفع المعنويات، وبرسائل سوف يستثمرها مشغله الإيراني بما تتطلب مصلحته، ناهيك عن الوعود الفضفاضة التي لا يصدقها من يصفق لها، لا سيما عندما خاطب جمهوره بقوله: "يا شعبي الأبيّ ويا أهل المخيمات استعدوا، فلقد باتت عودتكم الى فلسطين قريبة. إننا نعيش زمن الانتصارات والبشارات التي يصنعها الشعب الفلسطيني ومقاومته والمقاومة الإسلامية في لبنان".
وليس مهما انعكاسات مثل هذه المخاطبة على لبنان المخلعة أبوابه والمستباحة ساحاته، ولا لزوم لنستعيد الثمن الذي دفعه لبنان للقضية الفلسطينية، وما تخلله من حروب داخلية، مرورا بالاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وصولا إلى اتفاق الوفاق الوطني في الطائف الذي أنهى هذه الحروب عام 1989.
المهم يبقى في معزى "توحيد الجبهات" بدعم ايراني يعرّض لبنان إلى خطر الحروب ويزيد الانقسام الداخلي.
والمفارقة أن من شن حروبا وهجّر وقتل وأحرق الأخضر واليابس ورفض شريكه في المواطنة، على خلفية الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان طوال 15 عاما، لم يعترض على "توحيد الجبهات" الذي يورط لبنان، ولم يندد بعرض الخدمات القاضي بمساهمة "حماس" في حماية لبنان وثروته النفطية البحرية من مقر رئاسة الجمهورية.
ولا عجب، فالسلطة المتحكمة بلبنان، لا تجد في انتهاك سيادته مرة جديدة بمقاتلين فلسطينيين تحت راية "محور المقاومة" أي سوء، ولا تجد علة في تأجيج الصراع بين "حماس" و"فتح"، وانعكاس هذا الصراع مواجهات أمنية في المخيمات ترخي بتداعياتها السلبية على الوضع اللبناني برمته، وتغرقه أكثر فأكثر في مزيد من الانهيار والتوتر، الذي من شأنه أن يقوِّض موسم الاصطياف الموعود الذي بذلت الجهود لإنجاحه مع طلب وزير السياحة من "حزب الله" بإزالة صور رموز إيران في لبنان، وتمت الاستجابة لهذا الطلب.
فأكثر ما يهم من يسيطر على هذه السلطة هو التخفيف من الضغط على إيران في هذه المرحلة المحتدمة، ولبنان بساحته السائبة هو الخاصرة التي يمكن للأذرع الإيرانية العبث بها، ولا بأس بتفعيل جبهة "حماس- حزب الله" الخطابية لتهديد العرب، بحجة القضية الفلسطينية، وبمحاولة العودة السياسية إلى دمشق لتقوية هذه الجبهة وصولا إلى طهران، التي لا يهمها إلا الاستفادة من كل الأوراق لتصل بمواجهاتها مع العالم بأسره إلى حيث تريد، ما دامت تموِّل وتحرك من يسوق الأوهام ويدعو إلى حصاد الانتصارات في بلد يخيم عليه الظلام، ولا يجد مواطنوه رغيف خبز أو دواءً لمرضاهم.