يشارك الرئيس الأميركي جو بايدن في قمة مجلس التعاون+3 في جدة بالسعودية يوم 16 يوليو المقبل، في أول زيارة له للمنطقة منذ تولي إدارته الديموقراطية السلطة مطلع العام الماضي.

وتشمل جولته بالإضافة إلى السعودية زيارة إسرائيل والسلطة الفلسطينية. من الصعب حصر كل ما قيل وكتب عن هذه الزيارة التي سيقوم بها بايدن للسعودية حتى منذ ما قبل أسابيع من الإعلان عنها. وتركز كل ذلك على مختلف الجوانب والقضايا، إلا المسألة الأهم في تقديري. تلك هي أهمية الزيارة لحملة الحزب الديموقراطي الانتخابية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي نهاية هذا العام، وربما حملة الانتخابات الرئاسية التي قد يترشح لها بايدن عن الحزب في 2024.

ملاحظة سريعة على الطريقة التي تعامل بها البيت الأبيض، وبايدن نفسه، بشأن الزيارة قبل الإعلان عنها: تسريبات بأنها نهاية يونيو، ثم تسريبات بشأن تأجيلها إلى يوليو، رفض التأكيد أو النفي، حتى بايدن كان يجيب على كل سؤال "سنرى إن كنت سأذهب". ثم قبل الإعلان عن موعد الزيارة، تتسرب الأنباء أن بايدن سيترشح لفترة ثانية في انتخابات الرئاسة. كما يصرح بايدن بأنه ذاهب إلى المنطقة "ليس من أجل النفط، وإنما من أجل إسرائيل".

هي إذا بكل المعايير حملة انتخابية لجو بايدن والحزب الديموقراطي تبدأ مبكرا من الخليج. ليس لأن السياسة الخارجية تعني الكثير للناخب الأميركي، سواء في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، ولكن لأن إدارة بايدن بعد عام ونصف في البيت الأبيض تنتقل من خيبة أمل إلى أخرى وتحتاج إلى أي إنجاز تضخمه داخليا. فالتعافي الاقتصادي ما بعد أزمة كورونا كان قصير الأجل، والأسعار في ارتفاع مستمر بمعدلات تضخم غير مسبوقة منذ نحو أربعة عقود.

واضطرت إدارة بايدن، التي عملت في أيامها الأولى على إلغاء كل قرارات الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترامب إلى النكوص عن تلك الإجراءات والعودة إلى فعل ما فعله ترامب وأكثر.

خارجيا، تعهدت إدارة بايدن باستعادة الدور الأميركي الريادي في العالم الذي اتهمت إدارة ترامب بأنها ضيعته. وأعلنت استراتيجيتها بوضوح: تحالف عالمي موسع تقوده أميركا لمواجهة صعود الصين وروسيا. وجاءت الحرب في أوكرانيا هذا العام لتظهر أن تلك الاستراتيجية مجرد لغو وحديث نظري أكثر منه فعل يصمد على أرض الواقع. فقد كان الهدف المزدوج: تحالف عالمي موسع ضد روسيا، وانهيار النظام في روسيا تحت ضغط العقوبات التي ستثير اضطرابات شعبية. والهدف الأبعد هو "تخويف" الصين كمقدمة لاحتوائها.

باستثناء بريطانيا، لا يمكن القول إن إدارة بايدن شكلت التحالف العالمي الموسع الذي بزعامته تعزز مكانتها كقوة عظمى وحيدة في العالم. فرغم أن التحالف الغربي ضد روسيا بشأن أوكرانيا يضم كل دول أوروبا واليابان وكندا وأستراليا، فإن أغلب تلك الدول ضمن التحالف "مضطرا" كي لا يبدو أنه مساندا للرئيس الروسي فلاديمير بوتن. وبعض دول أوروبا يستجيب غصبا لضغوط أميركا بشأن العقوبات على روسيا، لكنه في الواقع لا يرى ذلك في مصلحته. ربما فقط بريطانيا هي التي تزيد حومتها أحيانا على الولايات المتحدة.

ثانيا، ها هي الحرب في شهرها الرابع والعقوبات على روسيا تشتد إلى مدى غير مسبوق، ومع ذلك لم يسقط النظام في موسكو. بل إنه حتى – رغم الحملات الإعلامية غير المسبوقة للتعبئة ضده – لم يشهد بعد تحديا واضحا لسلطته. أما بالنسبة للصين، فواضح أنها تقترب من روسيا أكثر مما كان يأمل بايدن والغرب. ليس ذلك فحسب، بل إن كثيرا من دول العالم ومنها دول الخليج والدول العربية لم تشارك في حصار روسيا وخنقها.

ليس هذا فحسب، بل أن استمرار الحرب – كما يرغب الغرب لاستنزاف روسيا وإضعافها أكثر – وتشديد العقوبات أدى إلى نتائج سلبية في الدول التي تفرضها. فأسعار الطاقة في أوروبا وبريطانيا تضاعفت أكثر من أربع مرات وأسعار الوقود في محطات البنزين الأميركية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

ولم يجد طلب بايدن من دول أوبك وشركائها زيادة الإنتاج، فالمشكلة ليست في نقص العرض أو زيادة الطلب عنه. وبالتالي حتى لو زاد الإنتاج فإن ذلك لن يحل مشكلة الأسعار للمستهلكين في أميركا وبريطانيا وأوروبا.

بعيدا عن كل التحليلات والتعليقات، التي تأتي على حسب الموقف السياسي لصاحبها وزاوية النظر للأمر، فإن زيارة بايدن للمنطقة هي في الأغلب الأعم بداية حملته وحزبه الانتخابية. والأرجح أنها لن تغير شيئا من احتمالات أن يخسر الديمقراطيون في انتخابات الكونغرس النصفية، وربما أيضا الانتخابات الرئاسية بعدها. فدول المنطقة، وإن كانت تقدر أهمية علاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة، إلا أنها لم تعد كما كانت قبل سنوات. فهي تحسب الأمور على ميزان مصالحها في المقام الأول، بالتوازن مع علاقاتها بالقوى الكبرى الفاعلة في العالم. لذا لا يتوقع أن تؤدي الزيارة سوى إلى عودة العلاقات مع واشنطن إلى التحسن، دون أن يعني ذلك التخلي عن علاقات المنطقة بروسيا والصين وغيرهما.

أما حديث بايدن عن إسرائيل، الموجه أيضا للرأي العام الداخلي لكسب تأييد أنصارها في الانتخابات، فلن تعدو النتائج أن تكون أكثر من نتائج السياسة الخارجية الأميركية بشأن حرب أوكرانيا.