حمل اليومان الماضيان دلالات تنذر بتطورات مفصلية في منطقة الشرق الأوسط، أبرزها إعلان إسرائيل أن قصف قواتها المباشر لمطار دمشق جاء "بهدف منع تهريب منظومات دقيقة من إيران إلى حزب الله اللبناني".

وثانٍ عن تمكن الأجهزة الأمنية من إحباط هجوم إيراني على أهداف إسرائيلية داخل الأراضي التركية، خلال مايو، وثالث تضمن تصعيدا في لهجة التهديد باتجاه لبنان مع الإشارة إلى "بلورة آلاف الأهداف التي سيتم تدميرها وتوجيه ضربات كبيرة جداً في الحرب، ولكننا سنقوم بإنذار السكان وسنسمح لهم بمغادرة تلك المناطق، لأن قوة الهجوم ستكون بشكل لم تشهده من قبل".

في المقابل، إيران مستنفرة وترد على التهديد بالتهديد، إن مباشرةً أو عبر أذرعها في المنطقة، فقد صرح قائد القوات البرية في الجيش الإيراني، العميد كيومرث حيدري عن الجهوزية "لتسوية تل أبيب وحيفا بالأرض في حال ارتكبت اسرائيل خطأ حيال إيران".. مع تلويحٍ باستخدام بعض الأوراق الملتهبة، وأخطرها رفع مستوى التخصيب الى حدود 90 بالمئة وتفكيك كاميرات المراقبة العائدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في رد على تبني الوكالة قرارا أميركيا ينتقد عدم امتثال إيران للالتزامات والضمانات الخاصة بها بشأن تخصيب اليورانيوم، ليأتي الرد على الرد بدعوة تحذيرية لاستئناف الحوار "على الفور" لتجنب أزمة كبيرة، من شأنها أن تجعل إنقاذ اتفاق فيينا بشأن برنامجها النووي "أكثر تعقيداً".

ويبقى الأهم ما أعلنه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قبل أيام، من أن الخيارات العسكرية مفتوحة، وإن أرفق قوله هذا بالوقوف خلف الدولة اللبنانية، محذرا إسرائيل من البدء باستخراج الغاز، ليس بما تتطلبه المصلحة اللبنانية بالتأكيد، ولكن بما تفرضه مصلحة إيران في هذه المرحلة الدقيقة المتعلقة بمفاوضاتها مع الولايات المتحدة.

ولا بد من تسجيل اعتداء "مدنيين" (وهي الصفة التي تعطي لمن يوكلهم حزب الله برسائل لها مغزاها) في جنوب لبنان على قوات حفظ السلام الدولية (يونيفيل) التي طالبت القوات المسلحة اللبنانية بحمايتها.

هذا الرقص على حبال الحرب في المنطقة ترافق مع ترقب لبنان وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، اليوم، لمحاولة إعادة استئناف المفاوضات غير المباشرة بين البلدين.

وكانت الولايات المتحدة قد أعطت بدورها إشاراتها قبل زيارة هوكشتاين التي يفترض أن تنتج حلولا حاسمة بشأن مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فسجلت مواقف تضرب على وتر الاقتصاد اللبناني المنهار، إذ أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربارا ليف، أنه "لم يُتَّخَذ أي قرار بعد بشأن نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان، لأن العقود لم توقع بعد".

وسبب التعقيد، أوردته باربرا ليف في الجلسة ذاتها، إذ أعلنت أن لا ضمانات لاستجرار الغاز من مصر والأردن إلى لبنان عبر سوريا، ولا تساهل بشأن قانون "قيصر".

وباطن الدلالات يشير إلى أن ملف الترسيم دخل كورقة من أوراق إيران في مفاوضات فيينا مع الأميركيين، وأيضا كورقة إسرائيلية للضغط على الولايات المتحدة منعا لأي تساهل من قبلها بغية إنجاز الاتفاق.

بالتالي، الضغط لمقايضة الانهيار التام لقطاع الطاقة بالعودة إلى طاولة المفاوضات هو ما يلوح به الاميركيون والإسرائيليون ليس فقط أمام المسؤولين اللبنانيين المرتبكين، ولكن أمام إيران المصادرة للسيادة اللبنانية. ذلك أن اللعبة أكبر من لبنان، وإيران لن تقف متفرجة على ما يجري، ولن تضيع الوقت، ولن تتهاون بترك الملعب لمن يفاوضها على ملفها النووي ليسلبها ورقتها اللبنانية.

وكان وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان قد سارع الأربعاء الماضي، إلى الكشف عن إرسال بلاده "رزمة سياسية مبتكرة جديدة" لإعادة تفعيل مفاوضات فيينا المتوقفة منذ نحو ثلاثة أشهر.

وقال عبد اللهيان: "أبلغنا الطرف الآخر بصراحة بأنه بإمكانكم أن تختاروا أحد المسارين لكننا نفضل المسار الدبلوماسي والسياسي".

والمسار غير الدبلوماسي وغير السياسي، هو ما على لبنان ترقبه والتوجس منه وسط التجاذبات السريعة والساخنة.

ويبدو أن المسار قد يوسع امتداده إلى خطوط تتجاوز لبنان مع احتدام شد الحبال في أكثر من نقطة ساخنة.

لكن أين تصرف الإشارات الإيرانية والإسرائيلية؟

هل يقتصر الأمر على استعراض القوة من الجانبين، لأن المطلوب إسرائيليا هو استخراج النفط وبيعه إلى ِأوروبا مع حلول الشتاء ونقص هذه المادة الحيوية نتيجة الحرب الروسية/الأوكرانية. والمطلوب إيرانيا هو إعادة العمل بالاتفاق النووي ورفع العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي الداخلي الذي يزداد تأزما ويترافق مع احتجاجات شعبية مهما تم لجمها قد تنفجر بوجه الحكام.

أم يتطور الرقص الإيراني والإسرائيلي فيصعب لجمه، ويؤدي إلى قطع الحبال والمواجهات العسكرية التي تستخدم إيران فيها لبنان وغيره من الدول التي تصادر سيادتها فتحرقها لتستفيد من رمادها، كما تفعل دائما؟