هل سبق وأن وافقت على سياسة خصوصية موقع أو تطبيق قمت بتحميله دون قراءة جميع البنود الواردة، والتفكير في تداعيات نقر زر "موافق"؟

استهدفت سياسات الخصوصية على مرّ السنوات الماضية بحملات رامية لإصلاحها، وجعلها في صف المستخدمين الذين غالبا ما ينقرون موافقين عليها دون قراءتها لأسباب متعددة.

ولكن يتحمل المستخدمون من الناحية القانونية المسؤولية عند حدوث نزاع قضائي، إذ يتذرع واضعو هذه السياسات بموافقتنا على مشاركة بياناتنا واستخدامها من جانبهم.

وفي استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو للأبحاث" في عام 2019، أكد 9 في المئة فقط من الأميركيين أنهم يقرأون دائما سياسات الخصوصية كاملة عند تحميلهم لتطبيقات، علما أن الخيار الوحيد أمامهم إما الموافقة أو التراجع عن تنزيل تلك البرامج.

كذلك نشر أحد الأستاذة في جامعة "كارنيجي ميلون" سنة 2008، دراسة أشار فيها إلى أن القراءة والموافقة على جميع سياسات الخصوصية على مواقع الإنترنت التي يزورها الأميركيون، تستغرق 244 ساعة في السنة الواحدة، أي قرابة 10 أيام!

وكخطوة أعتبرها نوعا من "رد الاعتبار"، أعلن موقع "تويتر" تبسيط سياسة خصوصيته في وقت سابق من شهر مايو الفائت، بعدما وافق على دفع 150 مليون دولار كغرامة، عقب رفع الحكومة الأميركية دعوى قضائية ضده، لتضليله المستخدمين بشأن كيفية حمايته لبياناتهم الشخصية.

وبحسب الدعوى القضائية فقد فشل "تويتر" في إخبار مستخدميه لسنوات أنه استخدم بيانات الاتصال الخاصة بهم لمساعدة المسوقين على استهداف المستخدمين بالإعلانات، في انتهاك لتسوية بشأن الخصوصية أبرمت في عام 2011 مع لجنة التجارة الفيدرالية.

وطبقا للجنة التجارة الفيدرالية، فقد أثر إجراء "تويتر" على أكثر من 140 مليون مستخدم للموقع الذي عزز من إيراداته الناجمة عن تلك الخطوة.

ولم تمض أيام على ذلك إلا وأعلن "تويتر" تبسيط سياسة الخصوصية الخاصة به، مشجعا المستخدمين على قراءتها من خلال تحويل هذه السياسة إلى لعبة فيديو حملت اسم " "Twitter Data Dash.

ومن التعليقات السلبية التي قرأتها بشأن هذه اللعبة، أنها ستستهوي فقط محبي ألعاب "الآركيد" الكلاسيكية، بينما أشار آخرون إلى أنهم استمروا في لعبها وقتا طويلا دون أن تعرض عليهم المعلومات الأكثر أهمية بالنسبة لهم وتتعلق بخصوصية بياناتهم.

وأكد آخرون ممن لعبوا "Twitter Data Dash" أنها تفيض بالمصطلحات الغامضة والقانونية مثل "الشركات التابعة" و"مشاركة معلومات معينة".

وانتقد مستخدمون أيضا اللعبة رغم اعترافهم بأسلوبها المبتكر في التعريف بسياسة الخصوصية، حيث تكونت من 4500 كلمة!

وظل كثيرون يرددون بأن السياسة الجديدة لم تغيّر فعليا أي شيء بخصوص مقدار البيانات التي يستحوذ عليها "تويتر" أو ما يفعله بها، كما أن الرسائل لا تزال غير مشفرة.

ورغم كل تلك الانتقادات فعلينا كمستخدمين ألا نتذمر دائما من مثل هذه المبادرات، ونسلط الضوء على سلبياتها متناسين الجانب الإيجابي، فمثل هذه المبادرة تتيح لنا أن نتعرف على أدوات تحكم لا يعرف كثيرون بوجودها، وتقدم ملخصات قصيرة للموضوعات وروابط في جميع أنحاء صفحات الإعدادات، وأخيرا المزج بين أسلوب التعلم عن طريق اللعب والمكافآت.

وخلال تجربتي للعبة "تويتر"، أدركت أن مشكلتنا كمستخدمين عندما نتحدث عن هذه النقطة أي "سياسية الخصوصية" "عويصة" للغاية، وتساءلت عن إمكانية دعم القوانين والتكنولوجيا خيارات خصوصية حقيقية، بدلا من ترك المسألة في أيدي عمالقة الإنترنت.

من بين النقاط التي تحسب على واضعي سياسات الخصوصية بناؤهم لها على افتراضات خاطئة قائمة على أن المعلومات الواردة فيها سهلة الاستيعاب وبسيطة، وقابلة للموافقة من قبل جميع المستخدمين، وعدم توفيرهم لخيارات أقل انتهاكا للخصوصية على أقل تقدير.

كذلك تكتب غالبية تراخيص سياسات الخصوصية دون أن تتطلب موافقة هادفة، أي أن الشركات تلجأ لأبسط الحلول القانونية الممكنة للسماح لهم بابتلاع أكبر قدر ممكن من البيانات مثل بطاقات الائتمان وعناوين البريد الإلكتروني وأرقام الهواتف دون أن تمنح المستخدمين أي سيطرة على الجهات التي يمكن أن تجد في هذه البيانات منجم ذهب يدر عليها أرقاما فلكية من الأرباح والإيرادات.

برأيّ فإن حل هذه المعضلة يتطلب إجراء سريعا يتمثل بقيام الشركات ببساطة بجمع بيانات أقل عنا كمستخدمين، وتبسيط سياسات الخصوصية قدر المستطاع مع الإيجاز في الشرح طبعا، وربما تبني أسلوب الملصقات الغذائية التي تتضمن بيانات واضحة يمكن قراءتها بسرعة عن مكونات المنتجات التي نشتريها.

وقد يأتي الحل لكل مشاكل سياسات الخصوصية من بلاد العم سام، ففي يناير الفائت، قدمت مجموعة من المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مشروع تشريع تجبر المواقع على عمل ملخصات سهلة الفهم لشروط الخصوصية الخاصة بها، مطلقين على القانون اسمTLDR ، إشارة إلى عبارة Too Long Didn’t Read.

ومن المهم أيضا استبدال خيار الضغط على الموافقة بخيارات حقيقية تحمي خصوصيتنا، مع التأكيد على وجوب أن تزودنا التطبيقات والمواقع الإلكترونية بالمعلومات ذات الصلة وخياراتنا المتاحة في كل حركة نقوم بها في فضاء الإنترنت.

والأفضل من ذلك، أن تساعدنا التكنولوجيا في إدارة خياراتنا، كترميز عمليات الكشف عن البيانات لتقرأها الآلات، وهو ما سيتضمنه قانونTLDR ، حيث سيطلب علامات متسقة على معلومات الخصوصية أيضا، ثم يمكن لجهاز الكمبيوتر الخاص بك أن يعمل نوعا ما كخادم شخصي، حيث يتفاعل مع التطبيقات والمواقع الإلكترونية نيابة عنك.

فمثلا تتيح لك إعدادات الخصوصية على "آيفون" إخبار جميع التطبيقات المختلفة على هاتفك بعدم جمع بيانات عن موقعك، وخلال العام الماضي، سمح للمستخدمين أيضا بمطالبة التطبيقات بعدم التعقب.

يمكن أن تعمل متصفحات الويب كخادم للخصوصية أيضا، إذ يتيح لك "فايرفوكس" من "موزيلا" بالفعل حظر أنواع معينة من عمليات اقتحام الخصوصية.

تقنية جديدة أيضا تسمى Global Privacy Control من شأنها أن تتفاعل مع مواقع الويب وتطلب منهم عدم "بيع" بياناتنا، وهي تستند إلى قانون الخصوصية في كاليفورنيا، والذي يعد من بين أكثر القوانين صرامة في أميركا، على الرغم من أنه لم يتضح بعد كيف ستعمل الدولة على تطبيقه.

وأخيرا نشدد على ضرورة أن تواكب الحلول القائمة على التكنولوجيا دائما الطرق الجديدة التي يتم بها حصاد بياناتنا وبيعها.

وحتى ذلك الحين، لنحلم أن يأتي يوم نرى فيه التكنولوجيا تستخدم لحماية خصوصيتنا، وليس لاقتحامها وغزوها.