قررت السلطات السويسرية الافراج عن نحو 430 مليون دولار تخص أسرة الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك بعد اسقاط قضية "غسيل أموال" أدت إلى تجميد تلك الأول المالية.

وسبق أن قضت محكمة العدل الأوروبية الأسبوع الماضي بعدم قانونية تجميد أصول أسرة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك وأمرت بأحقية أسرة مبارك في تلك الأموال وألزمت المفوضية الأوروبية بدفع كلفة الدعوى.

كانت المفوضية فرضت حظرا على أصول مبارك وأسرته وطالبت بنوك دول الاتحاد الأوروبي بتجميد أموالهم لديها في عام 2011 بعد الاحتجاجات في مصر. واتخذ القرار الأوروبي في إطار مساعدة السلطات المصرية على استرداد أي أموال عامة اتهم مبارك واسرته بالاستيلاء عليها. ورفع ابناء مبارك دعوى قضائية حكم فيها بعد نحو عشر سنوات باحقيتهم في تلك الأصول.

هذه الأصول جمدت في البداية مثلما يتم تجميد أصول روسيا في الغرب حاليا ضمن العقوبات المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا. وسبق وجمدت أصول أفغانستان والعراق وإيران وليبيا وفنزويلا وغيرها في إطار عقوبات غربية أو أميركية. لكن تجميد الأصول لا يعني سهولة مصادرتها، أي استيلاء من لديه تلك الأصول وجمدها عليها على حساب صاحبها المفروض عليه العقوبات. ذلك لأن التجميد، ضمن عقوبات أو أي مبرر قانوني آخر غير المصادرة التي تعني "نزع ملكية" نهائية من صاحب الأصل (ماليا كان أو عينيا) ونقل الملكية إلى غيره.

كما يحدث مع الأفراد والشركات، يحدث مع الدول. لذا لا يجب أخذ التقارير الإعلامية التي تتحدث عن امكانية مصادرة الأموال والأصول الروسية لصالح ايواء لاجئين أوكرانيين، أوبعض التصريحات الأوكرانية بأن تلك الأموال ستستخدم في دعم أوكرانيا، على عواهنها. ففرض العقوبات هو حق سيادي للدول، وكذلك تجميد الأصول والأموال أيضا مسألة سيادية. وهو اجراء مماثل لما يحدث تجاه المتهم مثلا، حتى لو لم يكن أدين بالتهمة بعد، حين تقرر المحكمة تجميد أمواله لحين الفصل في القضية المتهم فيها. وهذا ما تفعله الدول التي تفرض عقوبات بحق الآخرين، فهي تعتبرهم متهمين وبالتالي تجمد أصولهم ومملتكاتهم لديها.

أماالمصادرة فأمر آخر. وكما لا تصادر المحكمة أموال المتهم إلا إذا صدر حكم إدانة بحقه ورأت المحكمة مصادرة أمواله إما لتعويض المتضررين في القضية أو للصالح العام فإن مصادرة الدول للأموال المجمدة ليست أمرا نهائيا. ويمكن للخاضع للعقوبات الذي تصادر أمواله وأصوله اللجوء للقضاء والافراج عن تلك الأصول إذا كان يملك الحجة لتبرير أحقيته في اصوله المصادرة. كما أن التوصل لتسوية بعد أي صراع قد تتضمن الافراج عن الأصول المجمدة، وإذا كانت الدولة اليت فرضت العقوبات صادرتها فإنها تكون ملزمة باعادتها.

هذا ما حدث مع الأصول العراقية المجمدة منذذ فترة العقوبات ايام حكم صدام حسين، وما يمكن أن يحدث مع إيران في حال نجاح مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا. ولنأخذ المثال الذي بدأنا به وهو اصول أسرة مبارك. فلو أن الدول الأوروبية مثلا سلمت تلك الأصول المالية للسلطات المصرية قبل عشر سنوات، على اعتبار أنها ثروة غير مشروعة، فإن حكم المحكمة الأوروبية العليا الأخير كان سيعني أن تلك الدول ملزمة بتسليم الأصول لأسرة مبارك.

لذا هناك صعوبة بالغة في التصرف في الأصول والأموال المجمدة ما لم يتخل صاحبها عنها ويتوقف عن المطالبة بها قانونيا أو في إطار مفاوضات سياسية. في حالات نادرة فقط تتم المصادرة، وذلك في حالات الحرب وهزيمة طرف وانتصار طرف أو تلك الحروب التي تنتهي باحتلال. وتظل تلك المصادرات غير قانونية بالأعرف الدولية، وإن كانت تحدث في تلك الحالات التي يتصرف فيها الغازي أو المحتل في أصول من يهزمه.

مع ذلك نسمع تصريحات سياسية أو من مجموعات "النشطاء" حول مصادرة مليارات روسيا في الخارج أو الأصول العينية لأثرياء روس فرضت عليهم عقوبات أميركية وغربية. وفي ظل التحريض الشديد والدعاية الفج قد تستجيب أي سلطات لما تقول إنه "ضغوط شعبية" وتقوم بمصادرى أي من تلك الأصول. لكن ذلك يظل أمرا غير قانوني، عكس العقوبات والتجميد التي يمكن المحاججة بقانونيتها باعتبارها سياسات سيادية.

ولا ينتبه كثيرون إلى أن هذا التجاوز سيكون له تأثير طويل المدى فيما بعد يجعل المستثمرين واصحاب الأموال من أنحاء العالم يفكرون ألف مرة قبل أن يضعوا أموالهم في بلد يصادر أصولا مجمدة في إطار عقوبات.

لا تستمر الحروب للأبد، وغالبا ما تنتهي بتسوية ما. ويعني ذلك تجاوز العقوبات وما ترتب عليها من تجميد اصول. وما لم يغزو الغرب روسيا ويحتلها لا يتصور مصادرة أصولها المجمدة في إطار العقوبات.