إلى أي حدّ أسهم ضُعفنا التقنيُّ في عالم الصورة بخروج المنتخب الجزائري من الباب الضيق في مباراة الإياب أمام الكاميرون من التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022؟

أما آن الأوان لثورة تكنولوجية حقيقية في الإنتاج التلفزيوني والاستعانة بالكفاءات الجزائرية في الخارج، وبالضبط أولئك الذين سَبروا أغوار الطفرة الحديثة والنوعية في مجال السمعي البصري؟

ثمة إجماع لدى العديد من المختصين بشأن غياب الفهم العميق لمنظومة الإنتاج التلفزيوني الحديث، مع قلة الخبرة في استعمال تقنية الـ VAR بالشكل السليم، مما فوّت على الجزائر انتزاع حقوقها وتقديم أدلة دامغة لا يَعتريها الشك أمام الهيئات القارية والدولية بخصوص المجزرة التحكيمية التي ارتكبها الحكم الغامبي بكاري غاساما.

ففي مثل هذه المباريات الكبيرة والحاسمة، يوصي الخبراء بضرورة التركيز على رصد كل شاردة وواردة لتفاصيل اللقاء ومجرياته، سواء داخل غرفة الـ VAR أو الإخراج التلفزيوني، وعدم ترك هامش للخطأ أو مجال للصدفة، لأن مثل هذه المواعيد تُلعب على جزئيات صغيرة وتفاصيل دقيقة.

فمن غير المعقول التحقق من لمسة يد اللاعب الكاميروني في منطقة الجزاء، بكاميرا تبعد عنه بنحو 100 متر، في الوقت الذي كان يُمكن الاستعانة بكاميرا من نوع in goal التي تكون بجانب العارضة.

ولعدم وجود هذه التقنية، سُرق منا أيضا وبسذاجة الهدف الكاميروني الأول، أثناء عملية عرقلة المدافع الجزائري عيسى ماندي باتجاه الحارس وهاب رايس مبولحي، الذي فقد توازنه بسبب هذه الحادثة.

لا شك أن بث المباراة وإخراجها تلفزيونيا بالشكل الصائب وبالإمكانات اللازمة من شأنه فضحُ أي مخطط تشوبه رائحة مؤامرة، قد تستهدف التلاعب بنتيجة المباراة أو حرفها عن مسارها الطبيعي. وحينئذٍ لن تكون ثمة حيلة أمام حكم الـVAR لتعطيل التقنية أو التغاضي عن بعض المشاهد، لأن الإخراج التلفزيوني الصحيح يُحرج طاقم التحكيم أمام الجمهور والرأي العام داخلياً وخارجيا.

وهنا نتساءل، لماذا يغيب عن أذهان القائمين على التلفزيون تثبيت وغرس جميع أنواع الكاميرات في أنحاء وزوايا الملعب على غرار كاميرات skycam وspidercam وbeautyshot  وcrane  وSteadicam وغيرها، خصوصا في مباراة هامة ومصيرية لا تتكرر إلا كل 4 سنوات!

من المرجح أن عربة الإخراج OB-van لم تكن تُزود غرفة تشغيل الـ VAR، بما يكفي من الفيديوهات بمختلف الزوايا، ليتسنى للحكم الرجوع إليها بسرعة وبدقة على غرار ضربة جزاء ولمسة يد اللاعب الكاميروني المذكورة آنفا.. لذلك نعيد القول إن الإخراج التلفزيوني كان بأضعف الإمكانات والخبرات!

وحتى نكون دقيقين أكثر، فإن الإشكال المطروح اليوم ليس في عدم وجود الإمكانات، فالجزائر تملك تكنولوجيات وتجهيزات ضخمة ومتطورة منذ سنوات، لكننا لم نستعمل منها إلا النزر القليل، لأن العلّة الحقيقية تكمن في غياب الكوادر وأصحاب الخبرة الذين يُطوعون هذه التقنية لخدمة أهدافها وجعلها في متناول المشاهد ليعيش الحدث بكل تفاصيله!

خلاصة القول إن النهوض بعالم التلفزيون يستدعي عملية جراحية عميقة لاستئصال ورم الفشل المزمن من خلال توظيف الطاقات والكفاءات في أماكنها الحقيقية، وإعطاء الأهمية للتكوين والتدريب بشكل دوري، لأن عالم التقنية سريع الإيقاع ولا يرحم المتخلفين عن مواكبته. والأكثر من ذلك ضرورة التقييد بدفتر الشروط العالمي فيما يتعلق بالتجهيزات واللوجستيات، بما يشمل دليلاً واضحاً ودقيقاً لسلسلة الإنتاج.

الهدف من هذا المقال ليس تبريراً للإقصاء بقدر ما هو محاولة فهم ما يجري في عالم الإنتاج الرياضي، الذي إن تحقق – على الصورة الأمثل - سيكون داعما في الحجة الدامغة ضد تحكيم لا يرحم وعالم تلفزيوني تنافسي شرس، لا مكان فيه إلا لأصحاب المهنية والكفاءات العالية.. فهل هيأنا أنفسنا جيدا لتجهيز ملاعبنا ومنشآتنا الرياضية الجديدة بهذه التقنيات المتطورة؟ وإلى أي حدّ أعددنا العدة لنقل تلفزيوني مبهر لألعاب البحر الأبيض المتوسط المقررة صيف هذا العام وتفادي السقوط في المحظور؟