اللحظة الأكثر خطورة على الأمن القومي العربي كانت عندما أُسقط النظام السياسي في مصر واختطفت جماعة الإخوان السلطة السياسية، خطورة المشهد تطلبت تعاملاً حذراً.

فالعمق العربي بات مختطفاً مما يعني أن انهياراً كاملاً قد يضرب العرب ويذهب بهم، اعتمدت أبوظبي والرياض على سياسة الصبر والمراهنة على وعي الشعب المصري الذي بالفعل خرج في ثورة 30 يونيو 2013 ليسقط حكم الإخوان وينطلق ميلاد مصري بإسناد إماراتي سعودي.

لدى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد رؤية محددة من خلالها جاء القرار الإماراتي العاجل بإسناد الشعب المصري ثم أن موقف الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عزز الإرادة الوطنية المصرية، التي بدورها استعادت إرادتها القومية المحفزة لدور مصر التقليدي، بعد أن سقطت جماعة الإخوان ظهرت التنظيمات الإرهابية في سيناء لتخوض الدولة المصرية معركة شرسة هي ذات المعركة التي قادتها القوات المسلحة الإماراتية في جنوب اليمن ضمن مهامها في إطار التحالف العربي في اليمن لمكافحة الإرهاب فعملت على المساهمة بتشكيل النخب والأحزمة الأمنية لتطهير محافظات الجنوب من عناصر القاعدة وداعش وأنصار الشريعة.

كما تطهرت سيناء تطهرت أجزاء واسعة من الأراضي الجنوبية غير أن المصريين كان عليهم خوض معركة مزدوجة ضمن تأمين أمنهم الوطني بمواجهة الإرهاب في ليبيا ثم معركة قومية ضد النزعة التوسعية التركية في شرق البحر المتوسط، المصريون أنجزوا المهام الجسيمة وأكدوا مفهوم الأمن القومي باعتباراته الدقيقة حتى وهم يخوضون صراعاً شديدً في أزمة سد النهضة الاثيوبي، الاستحقاق الآتي سيعيدهم مرة أخرى لنقطة البداية عند عام 1956 وكما كان على الرئيس جمال عبدالناصر سيتعين على الرئيس عبدالفتاح السيسي النظر إلى الخريطة الجغرافية.

مسار الأمن القومي لا يتغير قناة السويس في مكانها وباب المندب في مكانه لم يتغير شيء سوى محددات الأمن القومي وتعريفه بوجهة النظر القومية وهو ما يتعين التفاعل معه عاجلاً ففي عدن كثير من الشكوك تتطلب الفعل اليقين، ثمة إشكالية بأن عدن التي صنع منها عبدالناصر نقطة الارتكاز في الأمن القومي العربي تعيش وضعاً مختلاً ففيما تسعى الحركة الوطنية فيها على استعادة استقلال الجنوب على غرار ذلك المسعى التحرري في ستينيات القرن العشرين تواجه صعوبات كتلك الأولى وأن كانت في القرن الحادي والعشرين تحيط بها التنظيمات الإرهابية لتخضعها وتخضع بعدها العرب ببسط نفوذها على باب المندب والبحر العربي.

حساسية الموقف في جنوب اليمن تستدعي استقراءّ واقعياً كما فعلت الجمهورية المصرية الأولى فلا يمكن الارتهان للعواطف الوحدوية الخاضعة للقوى الإسلاموية، المسألة ليست قضية يمكن معالجتها بالتسوية السياسية لترضية متنازعين على السلطة بل قضية قومية بقواعد المفهوم القومي المضاد لأيدلوجية المتأسلمين مهما كانت الذرائع والمسوغات التي تقدمها تلكم الأحزاب اليمنية ضمن تعريفاتها المضللة بل والمشوهة لمفهوم الحزبية والتعددية والديمقراطية الغير موجودة في اليمن وهو ما تدركه التجربة المصرية في اليمن.

محددات الأمن القومي العربي في القرن الحادي والعشرين تتجلى بوضوح في أيدلوجيات الإسلام السياسي المخترقة للدولة الوطنية ولم تعد كما كان في القرن المنصرم بالتحرر من الاستعمار الأجنبي وعلى ذلك من المهم تحصين الأوطان من دواخلها وهو ما يحتاج إليه الجنوب العربي وهو قادر على النهوض بمسؤولياته القومية وحماية الممرات المائية في بحر العرب وباب المندب، موقع عدن الجيوسياسي يفرص التفاعل بواقعية فالقرن الإفريقي يشكل خطراً لانعدام الاستقرار وكذلك شمال اليمن المضطرب.