تتميز الحروب في عصرنا الحديث بأنها لا تدار فقط على وقع هدير الطائرات وضجيج الدبابات، فهناك جانب يتصف بالسكون والصمت، يعرف بالحرب السيبرانية، والتي لا تزال حتى الآن محدودة التأثير في الأزمة الأوكرانية.
تتمتع روسيا بامتلاكها لواحد من أكثر جيوش العالم تطورا من الناحية التكنولوجية، حيث يتميز بقدرات استخباراتية متقدمة، هذا إلى جانب إمكانياته العظيمة في الحرب الإلكترونية والمعلوماتية والسيبرانية والاستخباراتية.
وسخرت روسيا بشكل جزئي إمكانياتها التقنية في عملياتها العسكرية بأوكرانيا، فكان الذكاء الاصطناعي والاستخبارات المضادة، والتي تقوم على اكتساب نظرة ثاقبة حول نشاط العدو، والعمل على تشويه وجهة نظره، من بين الأسلحة التي أقحمت في المعركة مع كييف والداعمين لها.
وتجمع الاستخبارات كميات هائلة من البيانات من مصادر مفتوحة مثل الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر المتاحة للجمهور، هذا بالإضافة إلى مصادر سرية، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل كل تلك المعلومات.
أما حرب المعلومات والبيانات المضللة فهي التي تدور في وسائل الإعلام الإخبارية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الدعم الشعبي، ونشر الارتباك وعدم اليقين، وبثّ انعدام الثقة في مواطني العدو.
ونجحت روسيا وفق تقارير في استباق عملياتها العسكرية بشبه جزيرة القرم سنة 2014، وبأوكرانيا حاليا، باستهداف جنود أوكرانيين بمعلومات تقول كييف إنها كانت مضللة، وتسعى لزرع الفوضى والاضطراب عند اندلاع الهجوم.
ومن المهم عند الحديث عن حرب المعلومات أن نميزها عن "الحرب السيبرانية" والتي تقوم على التسلل لأنظمة العدو وتعطيلها، وسرقة البيانات المخزنة عليها أو تدميرها، وخصوصا تلك الحساسة مثل الشبكات العسكرية وتلك المختصة بالطاقة.
وفي هذا الميدان، أفادت وكالات الاستخبارات الأميركية والبريطانية في فبراير الماضي، بأن قراصنة في روسيا، أطلقوا العنان لنوع جديد من البرامج الضارة ضد أهداف في أوكرانيا، شملت مؤسسات حساسة في الدولة.
وسبق العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا سلسلة من الهجمات الإلكترونية، وجنّد فريق الاستجابة السريعة من خبراء الأمن السيبراني في الاتحاد الأوروبي إمكانياتهم لمساعدة أوكرانيا في الدفاع ضد الهجمات الإلكترونية، وذلك عبر اكتشاف وقت وقوع الهجمات.
كما دعت الحكومة الأوكرانية مخترقي الأنظمة الأوكرانيين للمساعدة في الدفاع عن البلاد، من خلال حماية أنظمة الكمبيوتر التي تتحكم في البنية التحتية الحيوية مثل شبكة الكهرباء.
أما "الحرب الإلكترونية" فتصف الجهود المبذولة لتعطيل أو تضليل الأنظمة الإلكترونية للعدو مثل الرادار وشبكات الاتصالات، وتزييف إشارات تحديد المواقع لتعطيل الملاحة.
ووفق تقارير، فإن روسيا استخدمت أنظمة تتداخل مع استقبال الإشارات من الأقمار الصناعية في شرق أوكرانيا، الأمر الذي يمكّنها من منع الاتصالات، وتعطيل التحكم في الطائرات بدون طيار أو "الدرونز".
واستبقت روسيا توغلها في أوكرانيا بهجمات إلكترونية تهدف إلى زيادة التحميل وإغلاق مواقع البنوك والمواقع الحكومية.
وبالإضافة إلى ذلك، تحدثت تقارير عن برامج قادرة على إفساد البيانات تم تثبيتها سرا على مئات من أجهزة الكمبيوتر المملوكة لمنظمات أوكرانية كبيرة في صناعات الخدمات المالية والدفاعية وتكنولوجيا المعلومات.
ويمكن تقييم خطورة السلاح السيبراني الروسي على ضوء المخاوف الأميركية منه، إذ أصدرت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية الأميركية، تنبيها في يناير الماضي، يوضح التهديد الروسي وقوته من حيث هجماته الإلكترونية، مع تفاصيل تقنية عن القرصنة المتطورة التي بلغتها موسكو في السنوات الأخيرة.
وفي منتصف فبراير الماضي، التقى خبراء الأمن السيبراني الفيدرالي الأميركي مع المدراء التنفيذيين من البنوك الأميركية الكبرى لمناقشة الدفاعات المتاحة ضد محاولات القرصنة الروسية المحتملة.
ورغم مرور 14 يوما على الحرب الأوكرانية، فإن حلبة الصراع الإلكتروني لا تزال ثانوية بالنسبة للنزاع، رغم توقعات بتزايد النشاط من الطرفين، وتصاعد الهجمات التي ستركز بالمقام الأول على المعلومات المضللة كنوع من الحرب النفسية.