لماذا يشعر كثير من مستخدمي الشبكة العنكبوتية حول العالم بالقلق من الجيل القادم لشبكة الإنترنت "ويب 3"، وهل حقا علينا أن نخشى على أنفسنا كمستخدمين للتكنولوجيا منها؟

لفهم الجيل القادم من الإنترنت علينا العودة بالزمن للوراء للتعرّف على تطوّر الشبكة العنكبوتية وما رافقها من تغيرات، وصولا إلى الشكل الحالي في عام 2022.

تميز الجيل الأول من الإنترنت بغياب تفاعل المستخدمين مع المحتوى باستثناء ميزة القراءة، كما كانت المواقع الإلكترونية ثابتة، بمعنى أنها غير ديناميكية.

وإلى جانب ذلك، فقد كانت المواقع على "ويب 1" بطيئة للغاية، ويستغرق تنزيل أي شيء منها وقتا طويلا.

وجاء الجيل الثاني "ويب 2" رافعا شعار "التفاعل والتواصل" مع المستخدمين، وتحفيزهم لتزويد الشبكة بكم هائل من المعلومات بأشكالها المختلفة، الأمر الذي ساهم في ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها الكثير من أدوات مشاركة الأفكار والبيانات.

ومما ساهم في دعم "ويب 2" التطور السريع في تقنيات الاتصالات وسرعات الإنترنت، إلا أن ذلك التقدم كان على حساب خصوصية المستخدمين، واستفادة عمالقة التكنولوجيا من بياناتهم، التي باتت تباع وتشترى لأغراض تجارية أو سياسية بحتة.

لقد أدرك "هوامير" الإنترنت أن بيانات المستخدمين باتت أصولا قيمة، وهو ما دفعهم لتخزين تلك المعلومات في خوادمهم المركزية، متجاهلين الدعوات بالكفّ عن اختراق الخصوصية، وتأجيج التهديدات الأمنية الرقمية.

ووسط هذه الأجواء المشحونة التي تتسم بعدم الثقة بين المستخدمين وشركات التقنية، ظهر مفهوم "ويب 3" كبديل أكثر موثوقية من سابقه، بما يتمتع به من مزايا تبشر بفجر جديد في عالم الإنترنت.

ويعود الفضل في هذه الثورة التقنية لـ"البلوك تشين"، والتي تعمل كدفتر حسابات موزع، أو نظام سجل إلكتروني يقوم بتسجيل المعاملات، وحفظ نسخة طبق الأصل لكل منها على كمبيوترات كل المشاركين في المعاملة، حيث يمكن لكل عضو استعراض السجلات السابقة، وإدخال سجلات جديدة، مما يعزز مبدأ الشفافية التامة خلال إجراء المعاملات.

ومن المزايا التي تعد بها هذه الشبكة، قضاؤها على المركزية في التحكم بالبيانات، أي إنهاء دور "الطرف الثالث"، إذ تتم فيها عملية تشفير شاملة للمعلومات دون أن تطالها جهة أخرى، مع استثناءات تتم بعد موافقة المستخدمين.

وسيستفيد المستخدمون كذلك من ميزة سهولة التخصيص بالنسبة للبرامج، وسيكون بمقدورهم العمل عليها باختلاف أنظمة التشغيل التي لديهم، والأجهزة الذكية التي يستعملونها، وتحقيق الترابط فيما بينها.

وسيسهم تخزين البيانات في "ويب 3" على ما يعرف بـ"العقد الموزعة" (شبكة لامركزية تخزن البیانات في أماكن متعددة، وتتفاعل فیما بینھا لضمان التسجیل الدقیق بشكل أكبر للمعاملات التي تمت)، في ضمان عدم ضياع المعلومات، والحيلولة دون وقوع أعطال في أجهزة الخادم أو قرصنتها.

وفيما يتعلق بمسألة الانتقال من "ويب 2" إلى "ويب 3"، فإن المعلومات المتوفرة بشأن هذه المسألة شحيحة نوعا ما، ولكنها وفق خبراء ستكون سلسلة، ولن تكون صعبة على المستخدمين الذين سيواصلون استعمال المتصفحات العادية بالتزامن مع ظهور تطبيقات جديدة لتحل مكان القديمة التي عليها إما أن تلبي متطلبات الشبكة الجديدة اللامركزية، أو ترك الساحة لغيرها.

وكما لم يوقف "ويب 2" سلفه "ويب 1" تلقائيا، فإن التحول إلى "ويب 3" سيستغرق وقتا لإنهاء عمليات الاندماج والتكامل بين الأنظمة على الشبكة.

ورغم كل هذه المزايا التي تبدو إيجابية -حتى يثبت عكس ذلك-، إلا أن عددا من المؤثرين في عالم الأعمال والتكنولوجيا يرون في "ويب 3" خلاف ذلك، أي أنها لن تكون مستقلة كما يتم الترويج لها.

وفي هذا الصدد كتب الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" إيلون ماسك تغريدة على حسابه في "تويتر" بديسمبر الماضي، قال فيها: "تبدو هذه الشبكة مجرد كلمة طنانة ذات غرض تسويقي أكثر من كونها حقيقة".

ومن جانبه كتب جاك دورسي، المؤسس المشارك في "تويتر"، أنه "سينتهي المطاف بـ(ويب 3) بامتلاكها من جانب المستثمرين ورجال الأعمال المغامرين. لن تفلت الشبكة من أيديهم"، مضيفا: "إنه كيان مركزي جديد يحمل تسمية مختلفة فقط".

ويخشى فريق من التقنيين من صعوبة تنظيم الإنترنت عندما يصبح لامركزيا مع مفهوم "ويب 3"، إذ سيكون التحكم بتوجهات المستخدمين ومراقبتهم أمرا صعبا إذا لم يكن مستحيلا، كما قد تنتشر المعلومات المضللة انتشار النار في الهشيم بغياب الرقابة، وترتفع التهديدات الأمنية.

ومع منح المستخدم السلطة التامة في "ويب 3"، فستصبح من مسؤولياته توفير الحماية لعملياته التي يقوم بها على الإنترنت كالتحويلات المالية مثلا، والتي كانت البنوك تشرف عليها سابقا.

وبين مؤيد ومعارض لهذه الثورة التقنية، ينتظر المستخدمون بفارغ الصبر التجسيد العملي لـ"ويب 3" التي لن يقتصر تأثيرها على عالم التقنية فحسب، وإنما ستكون تداعياتها شاملة جميع جوانب الإنترنت والأعمال المرتبطة بها، على أمل تقديم بديل يراعي الخصوصية ولا يهدد أمنهم ويكون سهل الاستخدام.