الآثار الكارثية لتغير المناخ على الملايين من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واضحة جليا.
ففي العام الذي ودّعناه منذ أيام، اندلعت حرائق مدمرة في أنحاء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك في الجزائر وليبيا وتونس ولبنان. وأصبحت الظواهر الجوية القاسية كالجفاف وموجات الحر أكثر شيوعاً. ففي الكويت مثلاً وصلت درجة الحرارة في شهر يونيو إلى 53.2 درجة مئوية – فكانت بذلك قد سجّلت أعلى درجة حرارة على كوكب الأرض خلال عام 2021.
لكن ما يبعث على الشعور بالقلق فعلاً هو أنه إذا استمر تغير المناخ على هذا النّحو، فلنا أن نتوقع الأسوأ. إذ أن الارتفاع في درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أسرع مرتين تقريباً مما هو في بقية أرجاء العالم. ومدن ساحلية مثل الإسكندرية أصبحت معرضة لخطر أن تنغمر، مع ارتفاع مستوى سطح البحر، كما إن ارتفاع درجات الحرارة سيؤثّر على الحياة اليومية للسكان.
لدى استعدادي لحضور قمة العمل المناخي 26 في غلاسغو في شهر نوفمبر الماضي، تحدثت مع خبراء بالمناخ، وشركات، ومسؤولين حكوميين، وشباب من أنحاء المنطقة. وقد أعرب الكثير منهم عن القلق بأن المنطقة سوف تصبح غير صالحة للسكن في المستقبل.
ومن هنا تنبع أهمية اتفاقية المناخ المشهودة التي جرى التوصل إليها في قمة العمل المناخي 26 في غلاسغو. حيث إن "اتفاق غلاسغو بشأن المناخ" يُلزم دول العالم بالتخلص التدريجي من الاعتماد على الفحم الحجري دون اتخاذ تدابير لخفض انبعاثات الكربون، ويدعم انتقالاً عادلاً للبلدان النامية، إضافة إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة الخسائر والأضرار، ويشمل للمرة الأولى الموافقة على إطار زمني مشترك وعلى منهجية للالتزامات الوطنية بشأن خفض الانبعاثات. ومع أن قمة غلاسغو أبقت على هدف أن يظل الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية، إلا أن "نبضه لا يزال واهناً" على حدّ قول رئيس مؤتمر الأطراف. والآن تقع على عاتق كل بلد مسؤولية حماية الاتفاق ودعمه خلال السنوات القادمة من خلال تطبيق مخرجاته.
لقد تقدمت البلدان في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتزامات مناخية كبيرة لقمة العمل المناخي 26. فقد تعهدت الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بالوصول بانبعاثات غازات الدفيئة إلى الصفر بحلول عام 2050، والبحرين والمملكة العربية السعودية بحلول عام 2060. بينما وافقت مصر والمغرب على التخلص التدريجي من الاعتماد على الفحم في توليد الطاقة، وإنهاء دعم إنشاء محطات جديدة لتوليد الطاقة من الفحم. والتزم العراق والأردن والكويت وليبيا وتونس بخفض انبعاثات غاز الميثان بنسبة 30% بحلول عام 2030. وتعهد لبنان بالتوقف عن إزالة الغابات بحلول عام 2030. أما الجزائر وسلطنة عُمان فقد وقّعتا على مبادرة الشبكات الخضراء - وهي مبادرة تسهّل تجارة الطاقة المتجددة عبر الحدود. ولا ننسى قطر طبعاً التي سوف تستضيف أول بطولة لكأس العالم خاليةٍ من انبعاثات الكربون، والتي تعززها مبادرة زرع مليون شجرة. وتتويجاً لهذه الالتزامات، فإن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر - وهي أول منصة تعاونية إقليمية من نوعها - تهدف إلى تأمين أكثر من 10 مليارات دولار لصندوق استثماري ومشروع للطاقة النظيفة كجزء من الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الكربون في المنطقة.
والآن بات علينا العمل معاً لترجمة التزاماتنا إلى أفعال. ذلك يتطلب شراكة بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني والمواطنين. وقد تراءى لي مثالان اثنان من واقع مناقشاتي في قمة العمل المناخي 26.
أولاً، شعرت في غلاسغو بالفخر بإعلاني عن تمويل من المملكة المتحدة بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني لدعم الاستثمار الأخضر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونحن نقدم هذا التمويل من خلال "شراكة العمل المناخي عالية الأثر" في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. سيساعد تمويلنا هذا في جمع أموال من القطاع الخاص لدعم مشاريع مبتكرة توقف انبعاثات غازات الدفيئة، وتقلل التعرض لتغير المناخ، وتحمي البيئة. وهناك مجموعة كبيرة ومتنوعة من فرص التحول الصديق للبيئة، سواء كان ذلك في الزراعة أو الصناعة أو الطاقة أو البناء أو النقل.
ثانياً، نرى أن الشركات تستفيد من فرص النمو الأخضر. فخلال قمة غلاسغو، على سبيل المثال، أعلنت كلٌ من مؤسسة قطر وشركة رولز رويس عن شراكة جديدة لتطوير شركات التكنولوجيا الخضراء في المملكة المتحدة وفي قطر. هذه الشراكة ستؤدي إلى تطوير مركزين أحدهما في شمال إنجلترا والآخر في قطر، ما يوفر قُرابة 1000 وظيفة، إلى جانب 10,000 فرصة عمل إضافية في الشركات الناشئة التي سوف تنبثق عنها، وفي نظام الشركات المترابط الأوسع نطاقا، وذلك بحلول عام 2040.
وفي 2022، تأخذ مصر زمام المبادرة عالمياً بشأن تغير المناخ عندما تستضيف قمة العمل المناخي 27 في شرم الشيخ. وكنت خلال زيارتي للقاهرة في أكتوبر قد ناقشت مع وزير الخارجية ووزيرة البيئة تطلعاتنا المشتركة لإقامة شراكة خضراء بين بلدينا في الفترة التي تسبق قمة العمل المناخي 27 وما بعدها. ونحن نتطلّع إلى العمل مع شركائنا المصريين في عدة مجالات، من بينها تنمية عملنا معهم من أجل حماية المجتمعات الأكثر عرضة للتأثر بتغير المناخ، وذلك من خلال "تحالف العمل لأجل التكيف". ومن الأهمية بمكان أننا سنواصل حثَّ الدول على التعهد بهدف أكثر طموحا لخفض الانبعاثات بحلول عام 2030. فمن شأن هذا أن يضمن الحفاظ على الزخم الضروري لنجاح العمل المناخي خلال هذا العقد.
كما نتطلع إلى العمل مع الإمارات العربية المتحدة بينما تستعد لاستضافة قمة العمل المناخي 28 في 2023. وأثناء زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى المملكة المتحدة في سبتمبر، كان من دواعي سروري توقيع مذكرة تفاهم مع صديقي الدكتور سلطان الجابر، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، لتعزيز التعاون من أجل تسريع العمل المناخي وحماية البيئة. ويطيب لي هنا أن أشيد بالتزام قادة دولة الإمارات بتسريع الالتزامات العالمية بالعمل المناخي، واستضافة مؤتمر للدول الأطراف يكون "قمة الحلول".
في ختام قمة العمل المناخي 26، قال رئيس الوزراء بوريس جونسون: "آمل أن ننظر مستقبلا إلى قمة غلاسغو على أنها كانت بداية نهاية تغير المناخ". وسنبقى على التزامنا بالعمل مع الشركاء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للوفاء بالتعهّدات المناخية التي قطعناها على أنفسنا، والحثّ على المزيد من العمل والاستثمار لإنجاز ذلك.
معاً يمكننا النهوض بشكل أفضل، وتوفير مستقبل أنظف وأكثر أماناً وازدهاراً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم أجمع.