قد تكون جولة المفاوضات الحالية في فيينا حول إعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران هي الأخيرة أو ما قبلها، بعد ما بدى من نفاذ صبر معظم الأطراف الفاعلة في المفاوضات التي استمرت نحو عام بين مد وجزر ومراوغات ومحاولات لكسب الوقت وفرض حقائق على الأرض دون إحراز أي تقدم يذكر.
نفاذ الصبر الذي ظهر جليا على لسان كبار مسؤولي الدول المتفاوضة، فهل تشهد هذه الجولة الانفراجة المنتظرة وصولا إلى صيغة اتفاق ترضي ليس فقط الأطراف المتفاوضة، لكن جميع الأطراف المعنية بالسلوك الإيراني في المنطقة؟ أم أننا يجب أن نفكر من الآن في بدائل وسناريوهات وتداعيات فشل الوصول إلى الاتفاق والخيارات البيلة للدول المعنية به؟
المتتبع لتصريحات الأطراف الفاعلة في المفاوضات يلحظ حرصها على عدم تفويت هذه الفرصة وإدراكها أنها قد تكون بالفعل الجولة الأخيرة مالم تشهد تقدما ملموسا ومشجعا واتفاقا على الخطوط الرئيسية والنقاط الخلافية يدفعها نحو جولة إضافية قبل الوصول لاتفاق، الأمر الذي انعكس على سبيل المثال في حرص موسكو على تقديم مقترحات لضمان عدم تكرار المشاكل التي واجهتها الصفقة، كما جاء على لسان رئيس الوفد الروسي إلى مفاوضات فيينا ميخائيل أوليانوف قبل أيام والتي وصف فيها أجواء المفاوضات بأنها إيجابية، وحرص كافة الأطراف بمال فيها الولايات المتحدة بعقد اجتماع في فيينا السبت الماضي بدون دعوة إيران لبحث هذه الضمانات وتقريب مواقف هذه الأطراف، في حين اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن المفاوضات في جولتها الثامنة حققت تقدما طفيفا، معربا عن أمل بلاده في البناء على ما أُحرز من تقدم.
إدراك أهمية هذه الجولة من المفوضات أيضا كانت هي السمة المميزة للموقف الأوربي وتحديدا فرنسا التي أكد وزير خارجيتها جان إيف لو دريان يوم الجمعة الماضي إنه حدث تقدم في المحادثات النووية، لكنه في ذات التصريح أطلق تحذيرا مهما يجب الالتفات إليه "كنا نسير في اتجاه إيجابي في الأيام القليلة الماضية لكن الوقت عامل جوهري لأننا إذا لم نتوصل لاتفاق بسرعة فلن يكون هناك شيء نتفاوض عليه".
وهذه هي العلامة الفرنسية الثانية في أقل من شهر على قرب نفاذ الصبر الأوربي بعد تصريحات سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة نيكولا دي ريفييه في الشهر الماضي وبجانبه سفيرا بريطانيا وألمانيا في الأمم المتحدة التي قال فيها إن باب الاتفاق النووي الإيراني مفتوح الآن "لكننا نقترب بسرعة من نهاية طريق" العمل به، معتبرا أن ما تحرزه طهران من تقدم في برنامجها النووي يفرغ الاتفاق من مضمونه، مؤكدا على أن إيران يجب أن تختار بين انهيار الاتفاق أو التوصل إلى اتفاق عادل وشامل.
مواقف بقية الأطراف الأوروبية المتفاوضة أيضا كانت في نفس سياق التفاؤل المشوب بمزيد من الحذر المصحوب بكثير من التحذير، فوزيرة وزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بيربوك، قالت الأسبوع الماضي إن إيران فقدت الكثير من الثقة، مشيرة إلى أن الوقت ينفد مع الاتفاق النووي، وهو نفس ما ذهب إليه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بتحذيره إيران قبل بدء الجولة الأخيرة من أن الوقت ينفد أمام إنقاذ الاتفاق، مؤكدا أن بلاده تريد أن ترى المفاوضات في فيينا تؤدي إلى الاستعادة الكاملة لخطة العمل الشاملة المشتركة.
فيما قال مندوب الصين وانغ كوان إن "المحادثات تسير إلى الأمام وهي ستستمر"، إذن أظهرت جميع الأطراف تفاؤلا حذرا لأول مرة بإمكانية الوصول إلى اتفاق وبدا أن الجميع لديه رغبة في بلورة اتفاق سريع، وبدا أن روسيا والصين قد أقنعتا أو على الأقل حاولتا إقناع إيران بالموافقة على تقديم عدد من التنازلات التي تفضي إلى توقيع اتفاق مطلع الشهر المقبل، وهنا تبقى الكرة في الملعب الإيراني، فهل تضيع إيران هذه الفرصة كما أضاعت غيرها؟
وهل تصم آذانها وتغمض عينيها عن هذه الإشارات والتحذيرات التي لم تقتصر فقط على الخارج، بل أصبحت أيضا تأتي من الداخل الإيراني الذي بات يضغط هو الآخر بشكل متزايد للوصول إلى اتفاق يكسر عزلة إيران الدولية ويرفع ما تبقى عليها من عقوبات؟
أم تتحلى بقدر من الواقعية وتنصت لصوت العقل وتعيد النظر في موقفها المتشدد الذي رفع سقف مطالبها إلى أعلاه؟
أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة ستكون قريبة جدا وربما تحديدا بعد الزيارة المخطط لها للرئيس الإيراني، ابراهيم رئيسي، هذا الشهر إلى موسكو ولقائه بنظيره الروسي والتي يطمح فيها إلى توقيع اتفاق تعاون أمني بين البلدين وتوقيع صفقة سلاح كبرى تتجاوز قيمتها بحسب بعض التقديرات 10 مليار دولار خلال عشرين عاما، وتشمل شراء طائرات "سوخوي 35"، وتحسين وتحديث طائرات "ميغ" الموجودة لدى الجيش الإيراني وشراء انظمة صواريخ مضادة للطائرات من نوع "اس400"، وبالتأكيد سيكون الاتفاق النووي حاضرا خلال هذه المحادثات وربما جزءا من هذه الصفقة.