هل نصل ليوم نكون فيه قادرين على تحديد هويات الإرهابيين، وكشفهم قبل تنفيذهم لأعمالهم التخريبية، والحيلولة دون تسببهم بأضرار بشرية واقتصادية؟.
إن أول كلمات تتبادر لأذهاننا عند مشاهدة الأخبار التي تنقل تفاصيل أعمال إرهابية، أن مرتكبيها وحوش، وبعيدون عن كل ما يمت الإنسانية بصلة، إلا أن العلم يقول عكس ذلك، أي أنهم كانوا بشرا عاديين، يعيشون مع عائلاتهم، ويمارسون أعمالهم يوميا.
ولكن ما سر هذا التحوّل الجذري في نمط حياة هؤلاء الإرهابيين، وكيف تعمل عقولهم بعد التغيير، أي الانتقال من نمط الحياة الطبيعية إلى العنف والإجرام؟.
هيمنت دراسات شخصيات وأنماط تفكير الإرهابيين على الأبحاث النفسية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وظلت محور اهتمام الباحثين والعلماء حتى يومنا هذا.
فبحسب دراسة نشرت في مجلة "Nature Human Behaviour"، قام باحثون بتقييم الملامح المعرفية والنفسية لأشخاص كانوا ينتمون لميليشيات كولومبية، سُجنوا لارتكابهم أعمالا إرهابية، بعدما شاركوا في النزاع الذي دار في بلادهم في منتصف ستينيات القرن الماضي، وتوصلوا إلى أن المنطق والتفكير والقيم الأخلاقية الضعيفة هي ما تصنع الإرهابيين.
الهدف الكامن من وراء مثل هذه الدراسة وغيرها الكثير من الأبحاث ذات الصلة غاية في الوضوح، أي تحديد الصفات التنبؤية أو العلامات الثابتة المرتبطة بشخصيات الإرهابيين، على اعتبار أن نجاحنا في ذلك سيمكننا من معرفة واكتشاف الإرهابيين، ومنعهم من ارتكاب جرائمهم الفظيعة.
وإذا افترضنا أن العلم تمكّن من تحديد صفات الإرهابيين، فماذا سنستفيد من هذه المعرفة؟.
كذلك فإن مصطلح "العقلية الإرهابية" ينطوي على إشكالية تتمثل في كونها ترسخ فكرة كون الإرهابيين أشخاصا غير طبيعيين، ليتسبب ذلك في جعل مساعي كشف الإرهابيين تتم بدون تفكير معمق، وتستند على مجموعة معايير محدودة فقط، هذا إلى جانب الاختلاف الذي لا يزال سائدا حول تعريف مصطلح "الإرهاب" وتباينه وفق عوامل في طليعتها السياسية.
بالنسبة لعلماء النفس، يقترح مصطلح "الشذوذ"، اضطرابا أو عجزا أو مرضا يجعل الإرهابيين مرضى أو مختلفين عن غيرهم.
تبدو هذه الفكرة معقولة، كونها تساعدنا فيما يتعلق بالتوصل إلى تحديد السلوك المتطرف قبل تطوره لمرحلة لا يمكن احتواء تداعياتها.
إلا أنه من خلال التركيز على الحدث ذاته، وكيف كان الإرهابي يتصرف وقت ارتكابه لعمله الشرير، يجعل فهمنا لسلوكه يعاني من بعض الثغرات، وأبرزها إغفال دراسة كيفية تحوّل شخص عادي إلى إرهابي، أي ارتداء الإنسان الطبيعي الذي لا يعاني من أي اضطراب لثوب العنف والتكفير والتطرف؟.
وبالعودة إلى التجربة الكولومبية التي ذكرناها، فقد شملت اختبارات اجتماعية معرفية تتضمن تلك الخاص بقياس الأخلاق والذكاء والأداء التنفيذي والسلوك العدواني وقوة العاطفة، ومقارنة تلك النتائج مع اختبارات مماثلة لـ66 شخصا غير مجرم.
ووجد العلماء في المحصلة أن الإرهابيين امتلكوا معدلات أعلى من الروح العدائية، ومستويات أقل من العاطفة مقارنة بالأشخاص العاديين.
ولم تجد الدراسة أي تباين في معدلات الذكاء بين المجموعتين، أو في قدرات تنفيذ المهمات.
أما التباين الأبرز فكان في عنصر الإدراك الأخلاقي، حيث انقاد الإرهابيون باعتمادهم المفرط على النتائج فقط، والذي يجعلهم يبرّرون أفعالهم، والطرق التي سلكوها لتنفيذ أعمالهم.
وتمّ تقييم عنصر إطلاق الأحكام الأخلاقية أو التدّبر في تداعيات الموقف من الناحية الأخلاقية، بسؤال المشاركين في التجربة بترتيب قصص بناءا على مستويات العدوانية غير المبرّرة.
نتائج البحث تبدو مثيرة للاهتمام، ولكن كيف نستطيع أن نتأكد من أن هذا التشوّه في سلوك الإرهابيين لم يكن بسبب سجنهم مثلا، والذي من شأنه أن يشوّه الإدراك الأخلاقي عندهم؟.
إن استبعدنا تلك الفرضية، فهل مستوى الإدراك الأخلاقي المتراجع موجود عند الإرهابيين منذ الولادة، أم أن لديهم بوادر قاموا هم بشكل لا إرادي بتطويرها؟.
تُجمع الأبحاث العلمية على عدم وجود دليل دامغ يؤكد معاناة الإرهابيين من اضطرابات في الشخصية أو كونهم مرضى نفسيا.
ويعتقد كثير من علماء النفس أن الأحداث التي تسبق العمل الإرهابي، والتي غالبا ما تتسم بالــ"تطرف"، قد تجيب عن سر التحوّل لدى الإرهابيين من الاعتدال إلى الفكر المتشدد والعنف.
وتشمل تلك التحولات الدوافع والإيديولوجيات المرتبطة بكل جماعة يدين لها الإرهابيون بالولاء، بالإضافة إلى أنماط السلوكيات الاجتماعية التي تشجعهم على الابتعاد على الأصدقاء وأفراد العائلة وتغيير شكل الزي مثلا، والبحث عن هدف في الحياة بغض النظر عن كونه شريرا.
ومع كل هذه النتائج، فإن علم النفس الخاص بعالم الإرهابيين، لا يزال بدائيا، مع عدد متواضع من الأدلة التي تدعم المفاهيم النموذجية القائمة والتي تقتصر في كثير من الأحيان على المجموعات المتطرفة وإيديولوجياتها الغبية، إلا أن تعمقنا في سبر نفسيات الإرهابيين، وجمعنا لأكبر قدر ممكن من النتائج المتعلقة بسلوكياتهم وأنماط حياتهم ضمن مجتمعاتهم، سيساعدنا في المستقبل من تسخير علم النفس كأداة لا يستهان بها في حرب العالمية ضد الإرهاب.