هل تناولت يوما وجبة مندي بالصراصير، ما رأيك بكبسة النمل، أو برغر الخنافس؟.

قد تبدو السيناريوهات السابقة مثالية لتتحول لمشاهد في فيلم للخيال العلمي تنتجه هوليوود، إلا أن مثل هذه الأغذية مرشحة لتصبح حاضرة على موائدنا في المستقبل، إذا لم يتحرك العالم لمواجهة جملة من التحديات التي تعصف بكوكبنا.

أحدث تقرير لبرنامج الأغذية العالمي دقّ ناقوس الخطر محذرا من أن 45 مليون شخص حول العالم باتوا على حافة المجاعة، مرجعا ذلك إلى النزاعات المسلحة التي تجتاح العالم، وظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، وتفشي جائحة كوفيد-19.

ووضع التقرير كلفة تقديرية لتفادي مثل هذه المجاعة، تبلغ 7 مليارات دولار أميركي.

وإلى جانب ذلك التقرير المتشائم، أعلنت منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي مؤخرا أن وباء كورونا دفع 500 مليون شخص نحو الفقر.

تقرير آخر صدر عن الأمم المتحدة حول أزمات الغذاء بمناسبة انعقاد فعاليات قمة الأمم المتحدة للمناخ "كوب 26" في غلاسكو ببريطانيا بنوفمبر الماضي، حمّل تغير المناخ والظواهر المناخية المتطرفة الأخرى، مسؤولية التسبب في ارتفاع معدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم، إذ عانى 34 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد الناجم عن تلك العوامل خلال عام 2019، بزيادة قدرها 17 في المئة مقارنة بعام 2018.

وفي أسوأ التوقعات، تشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، إلى احتمالية إضافة ظاهرة الاحتباس الحراري ما يصل إلى 183 مليون جائع بحلول عام 2050.

جميع تلك الأرقام المرعبة جعلت العلماء يفكرون بحلول تضرب عصفورين بحجر واحد، أي تحقيق الأمن الغذائي للشعوب، وعدم التسبب بمزيد من الأضرار البيئية للأرض.

ومن النتائج التي توصل إليها الباحثون استحالة قدرة الموارد الحالية من تلبية الطلب المتزايد على الغذاء، ولكنهم في ذات الوقت قدموا بديلا سيساهم في القضاء على الجوع وهو الحشرات.

ووصفت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، الحشرات بــ"القطاع الواعد" الذي يتيح إمكانيات عظيمة من ناحية الاقتصاد والتغذية، قائلة إن أكثر من 1400 نوعا حشريا تستهلك في جميع أنحاء العالم بانتظام كغذاء للبشر .

وأضافت المنظمة في بيان، أنه يجري تناول 527 نوعا مختلفا من الحشرات في 36 بلدا من إفريقيا، وفي 29 بلدا من آسيا، و23 بلدا بالأميركيتين.

وسلطت "الفاو" الضوء على القيمة الغذائية للحشرات، قائلة إن بعضها يحتوي على بروتين يعادل المحتوى البروتيني للحوم والأسماك.

وأوضحت أن بعض الحشرات لا سيما في مرحلة اليرقات، تتميز بغناها بالدهون، واحتوائها على فيتامينات ومعادن هامة.

وفي ذات السياق، أكدت دراسة صادرة عن جامعة "مونتانا" الأميركية، وجود 85 نوعا من الحشرات التي يمكن أكلها في الولايات المتحدة، دون أن يكون لها أي تأثيرات سلبية على الصحة.

وعن القيمة الغذائية للحشرات، ضربت "الفاو" مثالا على يرقات الفراشات المجففة، قائلة إن كل 100 غرام منها تحتوي 53 غراما من البروتين، و15 في المئة من الدهون، وقرابة 17 في المئة من الكربوهيدرات، أي أنها تتمتع بقيم أعلى بالنسبة للبروتين والدهون مقارنة بلحم البقر والسمك المعروف بقيمته العالية من حيث الطاقة.

ولفتت المنظمة إلى أن ذات الحجم من اليرقات، أي 100 غرام، توفر الاحتياجات اليومية الضرورية من المعادن والفيتامينات.

ورغم الانتشار المتواضع لتقبّل فكرة تحويل الحشرات لوجبات غذائية، إلا أن بعض المشاريع قد أخذت زمام المبادرة وانطلقت في هذا التوجه، مثل مؤسسة All Things Bugs ، والتي تنتج مساحيق من الحشرات قابلة للأكل.

كذلك أقامت شركة "رينتوكيل" مطعم "Pestaurant" في بريطانيا، من أجل التوعية بأهمية الحشرات كغذاء مستقبلي.

وبالعودة إلى تقرير "الفاو"، نجد أن المنظمة الدولية تشجع الدول للتركيز على هذا التوجه قائلة إن تجميع الحشرات القابلة للأكل "مصدر جيد لتوليد الدخل ولا سيما في أوساط النساء اللاتي هنّ بحاجة الى رأس مال بسيط لو قمن بتجميع الحشرات يدويا".

واستشهدت المنظمة بالأرقام لتبيان العوائد الناجمة عن "تجارة الحشرات العابرة للحدود"، إذ تستورد فرنسا وبلجيكا سنويا ما يتراوح بين خمسة إلى ثلاثة أطنان على التوالي من يرقات الفراشات المجففة، وذلك من جمهورية الكونغو الديمقراطية التي كانت سبّاقة في الاستثمار بتربية الحشرات.

وتعتمد الكونغو على الحشرات لإشباع سكان البلاد البالغ عددهم أكثر من 105 مليون نسمة وفق إحصائية خاصة بوكالة الاستخبارات الأميركية CIA، حيث راجت فيها مؤخرا الأطباق التي تدخل الحشرات في إعدادها، فبحسب دراسة للأمم المتحدة، يبلغ متوسط الاستهلاك في العاصمة كينشاسا من اليرقات والديدان 300 غرام أسبوعيا.

وإلى جانب فوائدها الاقتصادية وكونها أحد حلول القضاء على الجوع، فإن أبحاثا طبية أكدت أن لتناول الحشرات أثرا إيجابيا في مكافحة السمنة، إذ أنها تحتوي على كمية من البروتين أكثر من الدهون.

وتحمل الحشرات الصالحة للأكل مخاطر أقل على صحة الإنسان من تلك التي تسببها اللحوم، مثل فيروس H1N1 ومرض جنون البقر، والسالمونيلا رغم إن الأخيرة توجد في الذباب الذي لا يندرج ضمن قائمة الحشرات الموصى بتناولها.

وبالإضافة إلى كل المزايا السابقة، يرى مناصرو تناول الحشرات كغذاء، أن ذلك يمثل طوق نجاة أمام ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، إذ أن تربية الحيوانات ينتج عنها العديد من المواد الضارة بالبيئة.

وبالمقابل فإن تربية الحشرات، تنتج غازات ومواد ضارة أقل بكثير من ذلك، ففي حين يترتب على إنتاج كيلو غرام من اللحم البقري حوالي 2850 غراما من الغازات الضارة، فإن إنتاج نفس القدر من الجراد مثلا ينتج عنه حوالي غرام ونصف فقط من الغازات الضارة.

كما أن تربية الحشرات لا تتطلب الكثير من التغذية، فإنتاج كيلو غرام من اللحم البقري يتطلب حوالي 10 كيلوغرامات من الغذاء، في حين أن إنتاج كيلوغراما من الجراد يتطلب 1.7 كيلوغراما من الغذاء فقط.