كتب الملياردير الأميركي، الذي تحول إلى فاعل خير، بيل غيتس على موقع مدوناته على الإنترنت مراجعة لعام 2021، تحدث فيها عما يشغل باله خلال هذا العام مع قرب نهايته.
وإذا كان ملياردير آخر مثل إيلون ماسك يستخدم حسابه على موقع التواصل تويتر ليحرك الأسواق بتغريدة، فإن شخصا بحجم وخبرة بيل غيتس يعد ما يكتبه أهم كثيرا.
صحيح أن إيلون ماسك يأتي على رأس قائمة أغنياء العالم بثروة تصل إلى 235 مليار دولار، بينما بيل غيتس رابع أغنى أثرياء العالم بثروة في حدود 138 مليار دولار، لكن غيتس الذي أسس مايكروسوفت ترك الشركة ويستغل ثروته الآن في الأعمال الخيرية وفي مقدمتها مساعدة الدول الفقيرة على مواجهة الطوارئ الصحية والأمراض المزمنة.
ورغم انفصال بيل غيتس عن زوجته مليندا هذا الصيف، بعد زواج 27 عاما أثمر عن ثلاثة أبناء، فإنه ما زال يدير معها مؤسستهما الخيرية بيل ومليندا غيتس التي يصل رأسمالها إلى 50 مليار دولار، وخصص جزءا من مدونته للحديث عن الطلاق والعيش وحيدا بدون أسرته في سن 66 عاما.
إنما أهم ما جاء في مدونة بيل غيتس هو تفاؤله بشأن نهاية حدة وباء كورونا العام المقبل، وهذا ما يمكن أن يتفق المرء معه تماما لأسباب علمية واستنادا إلى تجارب تاريخية لأوبئة مرت بالبشرية في مسيرتها على كوكب الأرض.
تركزت خلاصة مراجعة العام بتحديد الرجل لأهم ما شغل باله فيه، وبعيدا عن مشكلته الشخصية العائلية كان همه أربع قضايا في مقدمتها مستقبل وباء كورونا وما ارتبط به من تحول رقمي سريع في العالم بالإضافة إلى تراجع الثقة في المؤسسات وما يمكن أن يترتب على ذلك من تبعات وطبعا قضية التغير المناخي على كوكب الأرض.
أهم ما جاء في المدونة، وتلقفته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، هو ما ذكره بيل غيتس عن نهاية "المرحلة الحرجة" من الوباء ربما بمنتصف العام المقبل، رغم إدراكه لحالة القلق العالمي الحالية من متحور أوميكرون من فيروس كورونا.
وجاء تفاؤله، ليس بشاعرية أو تفكيرا بالتمني إنما استنادا إلى تطورات نشهدها بالفعل تتعلق بفاعلية اللقاحات وسرعة تطوير أدوية بما قد يجعل وباء كورونا يقترب في العام القادم مما تسببه الفيروسات من أمراض أخرى كالإنفلونزا ونزلات البرد.
الاستنتاج المقنع جدا والمنطقي تماما في المدونة هو أن العالم الآن أصبح أكثر استعدادا لمواجهة الوباء، بمتحوراته الحالية أو أي طفرات جديدة.
هي ليست ثقة عمياء في قدرة البشرية على مواجهة المخاطر على هذا الكوكب، وإنما استنادا إلى تجربة الرجل ليس في الابتكار التكنولوجي فحسب بل أيضا من خلال جهده ومؤسسته الخيرية في مكافحة الأمراض حول العالم.
فمؤسسة بيل غيتس أكثر من يشارك دولة الإمارات في جهدها الخيري الإنساني في مناطق مختلفة من العالم، تمتد من آسيا إلى أميركا اللاتينية مرورا بإفريقيا، وقد ساهم هذا الجهد المشترك بالفعل في مساعدة دول عديدة على مكافحة شلل الأطفال وأمراض نادرة ووبائية أخرى كثيرة.
نعم، كان فيروس كورونا لدى انتشاره العام الماضي مصدر رعب عالمي، وأدى إلى إصابة مئات الملايين ووفاة الملايين حول العالم، لكن سرعة تطوير اللقاحات وجهد العلماء والباحثين لتطوير علاجات أدى إلى شفاء مئات الملايين أيضا.
ورغم استمرار حدة الوباء هذا العام فإن التوسع في إعطاء اللقاحات والاستجابة للأدوية الجديدة تبشر فعلا بأن الفيروس ربما يكون في آخر مراحل خطورته.
بالتأكيد لن ينتهي وباء كورونا تماما، وربما تشهد بعض المناطق موجات جديدة، لكن ذلك لن يعود بالعالم إلى وضع الإغلاق التام كما حدث في عام الوباء 2020 عندما لم يكن العلم قد تمكن بعد من سبر غور العدو الجديد للبشرية.
لا جدال في أن اللقاحات ساهمت بقدر كبير في تمكين العالم من تحسين قدرته على مواجهة الوباء، وإن كان بيل غيتس اعترف في مدونته بأن إقناع الجميع بتلقي اللقاح لم يكن بالسهولة التي تصورها. وحذر من انتشار نظريات المؤامرة والتضليل المتعمد عبر وسائل التواصل الذي جعل البعض يتردد في تلقي اللقاح.
ومن المهم ألا تساهم وسائل الإعلام، بإعادة تدوير ما ينشره المحرضون المغرضون على وسائل التواصل، في إثارة الذعر أو جعل الناس يتشككون في قدرة العلم.
فحتما ستظهر متحورات أخرى من فيروس كوفيد-19، وهذا أمر طبيعي فهذا شأن الفيروسات، كل الفيروسات.
ويعرف من درس أبسط قواعد علم الفيروسات أن الطفرات فيها أمر طبيعي تماما، فيجب الحذر من التهويل، دون إسقاط جدار الحذر والالتزام بأساليب الوقاية.
ولنبتعد عن الاستسهال بتلقف أي رأي مثير، حتى لو كان من طبيب وباحث، إلى أن يحسم العلم موقفه تماما ويصدر توصياته المنطقية.