يجمع المراقبون على أن المآسي التي شهدها العالم العربي منذ العام 2011 تعود في أساسها إلى أن خارطة الشرق الأوسط شديدة التعقيد.

وتسترعي تلك المآسي التدخلات البينية والخارجية التي تتغذى على استمرار الفوضى وافتعال الأزمات مما يؤدي إلى تعميق الانفلات السياسي في بعض المناطق وبالتالي تتوسع الأطماع مما يؤدي في المنطقة العربية، على سبيل المثال، إلى شقّ وحدة الصف العربي تجاه معظم تلك القضايا، وهو ما نلحظه اليوم بوضوح في الموقف من عودة سوريا إلى الحضن العربي حيث هناك أكثر من دولة عربية تتواصل مع سوريا على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ومصر، وهناك شبه إجماع عربي بأنه من الضروري التواصل مع دمشق، لكن هناك أيضا دول عربية ما زالت متحفظة على عودة سوريا، وتحفظها مبني على الإساءة والعنف الذي تعرض له الشعب السوري من السلطة.

الانقسام العربي هنا مرده في رأيي أن بعض الدول ترى أنه على النظام السوري اتخاذ خطوات جادة للتصالح مع شعبه، ومحيطه العربي بداية عبر تأكيد أهمية استمرار دعم الجهود الرامية للحل السياسي للأزمة بما يكفل أمن الشعب السوري، ويحميه من المنظمات الإرهابية والمليشيات الطائفية وتدخلات الدول جميعها حيث لا يخفى أن الدول الكبرى تتقاسم الآن الأرض والأجواء السورية ناهيك عن الدور الإيراني والتركي وغيرهما.

محاولة مواجهة هذه الصراعات ولو بالقدر الممكن نظرا إلى تداخل كثير من العوامل كانت هي السبب في أن تنشط دعوات محور الاعتدال العربي التي تركت الباب موارباً، واقصد تحديداً هنا السعودية والإمارات ومصر والأردن، لضرورة عودة سوريا إلى المحيط العربي من جديد عبر الجامعة العربية.

وهنا يرد سؤال شديد التعقيد.. وهو كيف سيتلقف النظام السوري هذه الرسائل، إذ إن عودة سوريا للعمل الإقليمي مع محيطها العربي، أمر لا بد منه وإن طال الزمن لكنه لا يمكن أن يحدث إلا بإيجاد مسار سياسي، يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في سوريا، ومن ثم عودتها إلى الحضن العربي مما قد يؤهلها مستقبلا للقيام بدور في منظومة العمل العربي المشترك، تجاه عدد من القضايا المهمة، كالوضع في ليبيا واليمن.

كذلك ينطلق تصور المؤيدين لتلك العودة من أن ما تشهده الساحة العربية من تداعيات خطيرة في كل الملفات، وما ترتب عليها من تفاقم موجات العنف والإرهاب والتوتر، وما يصاحب ذلك على الدوام من احتقان سياسي فإنه بات من الواجب على العرب تجاوز كل العقبات من مؤثرات طائفية ومذهبية وإثنية والتوجه إلى (البوصلة القومية الصائبة) التي تتمثل في لمّ الشمل العربي عبر عودة سورية إلى الحضن العربي عقب تجميد عضويتها عام 2011 بالجامعة العربيّة، وبمعنى آخر فتلك الدول تأخذ بما يسمى باستراتيجية المراجعة للتحالفات، لجهة إنتاج مواقف مرنة وخلق فضاءات تسمح بإعادة اللحمة العربية وتخفيف الاحتقان والتوترات التي تعاني منها بعض دول المنطقة.

سؤال آخر يتحرج الكثيرون من طرحه لكني أرى أن من الإنصاف التساؤل هل هذه المساعي تهدف إلى "استعادة دمشق" وحمايتها من أن تكون فريسة للأطماع العثمانية والفارسية على حد سواء؟

وللإجابة على هذا التساؤل أقول إنه وعلى مدى عقود من الزمن اعتبرت بعض الدول العربية التحالف السوري مع إيران خطرا على الأمن القومي العربي، وهذا أمر قد يستمر الجدل حوله طويلا بسبب خلفياته التاريخية والأيديولوجية والسياسية، ولكن المؤكد أن النظام السوري كما استطاع الصمود في وجه الإسلام السياسي ومشروع جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية فهو مطالب كذلك برفع يد نظام الملالي عن التدخل في شؤونه وساعتها سيكون الوقوف من جهة الأشقاء العرب مع عروبة سوريا كما كان الوقوف مع عروبة العراق في وجه أطماع الجارين الفارسي والتركي.. ذلك أن أشقاء سوريا يدركون أن سوريا دولة مركزية ولا يمكن تهميشها، كما لا يمكن السماح بالتخلي عنها، والفراغ في سوريا إن لم يملأه العرب، سيأتي آخرون ويملأونه.

وهنا يأتي سؤال آخر.. هل تستطيع الجامعة العربية التوفيق بين المؤيدين والمعارضين لهذا الأمر؟ هنا يجب أن لا ننسى انه خلال هذا الشهر تمر عشر سنوات بالتمام والكمال، على قرار تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية ومؤسساتها المختلفة، والذى أصدره مجلسها الوزاري في الحادي عشر من نوفمبر من العام 2011، في أعقاب تفاقم الأوضاع على الأرض السورية، وتزامنا مع هذه الذكرى، بدت إشارات تحول في الموقف العربي تجاه سوريا، بهدف استعادة موقعها في الجامعة العربية، سعيا لخفص منسوب تأثيرات التدخلات الإقليمية.