إما جهلاً باللغة أو تعمداً، تم ربط الدولة الرعوية والرعية أو الرعايا بالرعي والمواشي والراعي، رغم أن الأصل هو الرعاية.
من هذا المنطلق، قام اليسار والتأسلم السياسي بمهاجمة أسس المشيخات والملكيات الخليجية وإهانة الشعوب الخليجية واستثارتها.
آنذاك، انشغل مثقفو الولاء والوطنيون بالدفاع عن التهمة في سياقها، رغم سهولة استبدال السياق بتصحيحه الفعلي من أصل استخدامات اللغة، لكنه الانسياق وراء الخنازير ومصارعتها في وحلها وهي خبيرة فيه.
كان هذا جهلاً أو عجزاً أو إهمالاً لهفوة لغوية جعلت أجيالاً تحاول الدفاع منقوص الحجة ضد مرضى فكريين يظنون أنهم قد أفحموا خصومهم، لكن القادم رقمياً أشد وأنكى إن تم إهماله.
مبعث هذا المثال الصارخ هو ما حدث مؤخراً من اعتراف أكبر القلاع الأخيرة للإعلانات التجارية (والسياسية) – فيسبوك وملحقاته – بتراجع أرباح الاعلانات، وضرورة تحول النطاق بأكمله من المنصات إلى الفضاء الرقمي المؤجر على المواطن الرقمي ذي الشخصية الافتراضية في الميتافيرس metaverse. هذا نذير بتطور وتعقّد قواعد الصراع وإمكانياته.
أتخيل هنا مركزاً دينياً ضمن الواقع الافتراضي، يدفع إيجاره لفيسبوك – أو أياً كان مسمى الشركة الجديد الذي سيعلن قريباً – لنتفاجأ جميعنا بأنه مقر لمواعظ ودورات إعداد كوادر إرهابية. فهل خطباؤنا مهيّأون ومستعدون للنزال الرقمي الافتراضي المطعم بالأفاتار (الشخصيات البديلة) وربما عبر قتال بألعاب الفيديو في (غزوة) افتراضية؟
هل شرطتنا الرقمية قادرة على قطع السبيل – تربوياً ورقمياً وأمنياً – على دورات (مُعاشة) رقمياً ومجربة بتفاصيلها لصناعة القنابل بالأيادي الافتراضية؟ أم هل بمقدور الجهات الأمنية فرز وعزل المحتوى الرقمي الذي يحمل تصاميم الأسلحة الخفيفة والبيضاء القابلة للطباعة الثلاثية، قبل أن يتم تحميلها على حواسيب الأفراد – ذئاباً منفردة أم ضمن جماعة أو حتى فتية مدارس – وقبل أن تنفذ بها جرائم؟
مارك زوكربرغ زعيم دولة رقمية، مواطنوها مزدوجو الجنسية – جغرافية ورقمية. الولاء في هذه الدولة الرقمية قائم على كثرة الاستخدام والتصفح، والمكافأة على صناعة المحتوى الرائج هو الإثراء الفاحش، بأقل القيود، أو تحقيق أهداف في الواقع الأصلي – منها ما لا تحمد عواقبه، فما الذي تملكه الدولة الجغرافية – ناهيكم عن الوطنية – من حوافز أو روادع أمام كرة الثلج المفخخة هذه، بل الانهيار الثلجي برمته؟
زوكربرغ أيضا nerd مهووس– نجاحه البرمجي والرقمي مذهل، لكن المهووسين تغيب عنهم عوامل أخرى بنفس أهمية هوسهم بالإنجاز أو أهم منه، لذلك يحتاجون إلى من يعيدهم إلى واقعية الطموح ومحاذير الحياة الفعلية، وإلا غرقوا وأغرقوا بقدر عظمة وأهمية إنجازهم، على فرضية حسن النية والتسخير، فما بالكم بسوء النية والاستهداف؟
على كل ما سبق تقاس الاحتمالات وتحوطاتها.