لخَّص رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت، عقب لقاءه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن، موازين القوى في الشرق الأوسط بجملة مفيدة عندما وصف الروس بأنهم "جيران" إسرائيل من الشمال.
وقال بينيت عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر: "كان اللقاء مع الرئيس بوتن جيدا جدا ومتعمقا جدا. بحثنا الأوضاع في سوريا بطبيعة الحال، علماً بأن الروس هم جيراننا من جهة الشمال إلى حد ما، فمن المهم أن ندير الأوضاع الحساسة والمعقدة الموجودة هناك بسلاسة ودون أي خلل".
وبينيت عندما أشار إلى الأوضاع الحساسة وقرنها بغياب "أي خلل"، إنما عبر عن تفاهم فعال يسمح له بالاستناد والاطمئنان إلى جاره الشمالي. لذا هو يصول ويجول في مناطق نفوذ هذا الجار ويواصل غاراته على أهداف إيرانية يرصدها ويصطادها من دون أن يقلق حيال تهديدات بالرد في الزمان والمكان المناسبين اللذين لا يزالا في علم الغيب.
وحصرية الجيرة هذه لها دلالتها، لاسيما إذا ما اقترنت ببحث معمق لـ"الأوضاع في سوريا بطبيعة الحال". فطبيعة الحال هذه يمكن ترجمتها بما يتم تداوله منذ فترة عن توجه روسي لتقليص الوجود الإيراني على الساحة السورية. وهذا ما تريده إسرائيل تحديدا، وصولا إلى إخراج إيران من الجولان خاصة، ومن الجنوب السوري عامة.
وبينيت بتلخيصه موازين القوى في المنطقة، لا يتأثر ولن يتأثر بالتهديدات الإيرانية اللفظية والشعبوية التي لا تغير المعادلات القائمة.
ذلك أن قراءة أبعاد الاطمئنان الإسرائيلي إلى "جار الشمال"، لا تقتصر على العلاقات فوق الجيدة التي تحرص عليها روسيا حيال إسرائيل، منذ نشوئها، ولكنها تتعلق بوعي لواقع رؤية بوتن لحاضر بلاده ومستقبلها على خريطة العالم، فهو يراها إمبراطورية، كان لها دورها في التاريخ. وقد استمر هذا الدور مع الاتحاد السوفياتي، ليعتبر أن انهياره كان خطأ استراتيجيا فظيعا. بالتالي واضح هدفه تصحيح هذا الخطأ وإعادة بلاده لتتبوأ مكانتها التاريخية بين الأمم.
ومن الطبيعي أن تتحدد العلاقة بين روسيا وإيران وفق هذا الهدف، بمعنى أن الطموح الإيراني من خلال مصادرة سيادة الدول التي خربتها في الشرق الأوسط، تتوقف مفاعيله عند المصالح الروسية الاستراتيجية، والتي في وسعها ردع إيران عن كل ما يتعارض وهذه الاستراتيجية.
ولأن الحاجة الإيرانية إلى روسيا تفوق الحاجة الروسية إلى إيران، فهي تبحث عن حلفاء قادرين على عرقلة قرارات الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وقادرين على السماح لها بأن تستمد قوتها من الدول التي تخربها، وليس من داخلها المقموع والمنهار اجتماعيا واقتصاديا. وهي تعرف أن عليها في المقابل، أن تنطوي وتكتفي بالتهديدات اللفظية، وبالتباهي بـ"جيوش" أسستها وموَّلتها على حساب اقتصاد شعبها أن في لبنان أو غزة أو سوريا أو العراق أو اليمن، وجندتها لخدمتها والذوذ عن مصالحها وأطماعها على حساب الهوية الوطنية لهذه "الجيوش"، وليس لمواجهة إسرائيل، إلا عندما تتطلب أجندتها تحريك ما تقبض عليه من أوراق للضغط في سبيل جر المجتمع الدولي إلى مفاوضتها.
وربما يمكن الاستدلال إلى هذه المعادلة من خلال تصريح الرئيس الروسي المتعلق بلبنان. فهو وفي حواره مع المشاركين في منتدى "فالداي" الروسي السنوي، الذي عُقد في سوتشي، وضع النقاط على حروف "عنتريات" "حزب الله"، سواء بما يتعلق بالمئة ألف مقاتل الجاهزين ليدكوا الجبال، والذين الطبع تضيق بهم الساحة اللبنانية، بما يعني أنهم ورقة من أوراق إيران حيثما يلزم.
وسواء لدى تحذير الأمين العام للحزب حسن نصر الله إسرائيل من التصرف كما تريد في منطقة الحدود البحرية المتنازع عليها بين الجارين العدوين، مهددا بأن "المقاومة ستتصرف في الوقت المناسب عندما ترى نفط لبنان في دائرة الخطر".
فتصريح بوتن أن "حزب الله" "قوة سياسية مهمة في لبنان"، وأن موسكو "مع حل الأزمات عبر الحوار، وتسعى إلى القيام بذلك بالتواصل مع جميع الأفرقاء التي هي على علاقة معهم جميعاً، بهدف الحل ومنع إراقة الدماء"، يلجم مفاعيل هذه العنتريات بثقة الضابط للأمور والمحدد لوظائف درة التاج الإيراني في مناطق نفوذه، والمتمثلة بذراعه اللبناني.
ولعل أهمية ما قاله بوتن عن لبنان هي في التوقيت الذي سبق اللقاء الجيد جدا والعميق مع الشريك الاستراتيجي نفتالي بينيت، الذي يحظى أيضا بشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، ليجمع المجد من أطرافه، ويطمئن إلى أمنه بوجود "جار الشمال"، بحيث لا يعكر هذا الأمن وجود إيراني، لا يهتم فعلا بالقضاء على إسرائيل وإنما بمضايقتها من حين إلى آخر، لأن جل طموحه الالتزام بحدود تخريب الدول التي صادر سيادتها وتحسين أوراقه في أي مفاوضات مرتقبة، وتقديم الخدمات إلى اللاعب الأقوى الذي يواصل الاستفادة منه ومن مساهمات الميليشيات التي يرعاها بقدر ما يشاء ليحدد له نفوذه، أيضا بقدر ما يشاء.