لم أندهش عندما وجدت إخوانيًا مقيمًا بتركيا ويقدم نفسه كباحث في العثمانيات يكتب منشورًا يترحم فيه على السلطان العثماني سليم الأول الذي غزا الشام ومصر وعاث فيهما قتلًا وترويعًا وأدخلهما بذلك في حقبة من الاحتلال العثماني الغاشم.
لم أندهش لأن هذا الإخواني كان ولا يزال من الأبواق التابعة للعثمانيين الجدد، فليس من المستغرب أن يدافع عن مجرم اجتاح بلادنا وأسقط آلاف الشهداء من أهل الوطن الذي تنكر له هذا المأجور وأشباهه.
دعوني أقدم لكم نبذة عن المجرم سليم الأول الذي استغل هذا الإخواني ذكرى هلاكه (22 سبتمبر) ليكتب فيه مدحًا طويلًا.
سليم الأول هو ابن السلطان بايزيد الثاني العثماني.. انقلب على أبيه وقتل إخوته وأبناءهم.. ثم وجه آلة الحرب العثمانية نحو الدولة المملوكية المسلمة، فاجتاح أراضيها وقام أثناء ذلك بقتل جده لأمه الأمير التركماني التابع رسميًا لدولة المماليك.. قبيل ذلك كان يداري ويراوغ السلطان المملوكي قانصوه الغوري ويدعوه بالأب ويظهر له الود والحرص على المسالمة بينما هو يدبر الغدر القبيح.. ثم سرعان ما كشف عن وجهه فاجتاح الشام وروع أهل دمشق لينتزع منهم البيعة تحت أسنة السيوف وتهديد المدافع.
ثم بعدها تقدم نحو مصر حتى إذا ما قاومه أهل غزة وضع فيهم السيف فقتل ألفًا منهم على أقل التقديرات.
وبعد هزيمته السلطان طومان باي والجيش المصري أطلق جنده في القاهرة يرتكبون أعمال هولاكو في بغداد وأمثال جرائم تيمورلنك في دمشق وحلب فطاحوا في أهل القاهرة سلبًا ونهبًا للأموال والممتلكات وقتلًا للأبرياء واغتصابًا للنساء والأطفال.. وقد كان سليم هذا قبلها يقول "غدا أدخل القاهرة فأحرقها وألعب في أهلها بالسيف".. وراح زبانيته يطاردون المماليك وكل من يشتبهون فيه فقتلوا منهم عدة آلاف ورموا جثثهم في الطرقات والنيل.. وصاروا إذا أرادوا ابتزاز إنسان يقولون له "انت چركسي" فإذا ما أقسم لهم أنه ليس من المماليك قالوا له "إفد نفسك منا بشيء" ولم يدعوه إلا وقد سلبوا ماله.. كل هذا وسليم ينظر ويعلم ولا يبالي..
ثم بعد أن شبع من القتل العشوائي عاوده غدره فنادى بالأمان لمن يسلم نفسه من المماليك، فسلم بعضهم أنفسهم فحبسهم ثم سرعان ما قتلهم!
بعدها قام بنهب قلعة الجبل -مقر الحكم المملوكي- فقلع رخامها وزينتها وحملها معه وحمل معها غصبا وقهرا عددا ضخما من أساطين الفنون والصناعات إلى بلاده ليبنوا له عاصمة تليق بمقامه!
ولا ننسى أنه عندما قبض على السلطان الشهيد طومان باي أظهر له الأمان ثم كالعادة غدر به وشنقه!
هذا المجرم الأثيم وُجِدَ من يمتدحه في ذكرى هلاكه.. بل وأنه -كاتب المنشور- قد وصف احتلال العثمانلي لمصر وتحولها من قاعدة للسلطنة إلى مجرد ولاية بأنه خير لها من أن تكون -على حد وصفه- سلطنة متهاوية!
هل رأيتم الصفاقة؟! تحول مصر إلى ولاية تابعة لمحتل هو خير لها؟ على أساس هذا المبرر هل كان تحولها لبلد محتل من الهكسوس خير لها من السلطة المتهاوية للمملكة المصرية القديمة الوسطى في أخريات أيامها؟ وهل تحولها لمستعمرة رومانية كان خير لها من تهاوي الحكم البطلمي؟ ما هذا المنطق المشين؟!
ثم يختم منشوره بالترحم على سليم الأول والدعاء له أن يتجاوز الله عما سفك من دماء بغير داعٍ!!
سبحان الله! هذه بدعة لم نسمع بها: الدعاء لقاتل بالتجاوز عن الآلاف ممن قتلهم بغير سبب بعضهم من أهل بيته وذوي رحمه وبعضهم الآخر من الآمنين ومن غدر بهم بعد إظهار الأمان والمسالمة! ألم يسمع هذا الذي يتحدث هو ومن هم على شاكلته بأن الله تعالى لا يغفر إساءة لإنسان إلا إذا غفر صاحب الحق؟!
وكيف يجرؤ إنسان أن يترحم على من اجتاح وطنه ووضع السيف في أهله؟!
هؤلاء القوم يجيدون فقط الحديث عما يصفونه بـ"لعنة الدم" عندما يكون الدم خاصًا بأعضاء جماعتهم الإرهابية وأتباعها من المضللين المشاركين في الاعتصامات الإرهابية المسلحة.. أما الآمنين من المدنيين أو المدافعين عن أوطانهم ضد المحتل العثماني فيطلبون لقاتلهم الصفح والمغفرة! يا للنفاق!
ورغم ذلك أكرر: لم أندهش! فإن اعتناق الفكر الإخواني المدلس المضلل المتلاعب بالحق يدفع المرء لإتيان ما هو أعظم شرًا! وأي دهشة بعد أن تنكر هؤلاء القوم لوطنهم ووضعوا أيديهم في أيدي أعداءه؟!
وللحديث بقية..